ياسر المتولي
في خضمّ الأحداث التي شهدها العالم خلال الأعوام الخمسة التي مضت وبضمنها 2024 وهي مكملة لما يواجهه العالم من تحديات تتجه النوايا نحو اقتصاد متعدد الأقطاب بعد أن دكت الأحداث آخر مسمار في نعش العولمة البذيئة ليبدأ عهد جديد.
هذا ما اتفقت عليه رؤى خبراء الاقتصاد مستندين إلى مؤشرات ما آلت إليه أحداث الأعوام الخمسة التي عصفت بالاقتصاد العالمي (كورونا وحرب روسيا- أوكرانيا وآخرها حرب إسرائيل- غزّة) مما دفعهم وأقصد الدول إلى الانتفاض على الهيمنة الأحادية المسيطرة على الاقتصاد العالمي والأسباب معروفة لدى القاصي والداني والتي من أكثرها تأثيراً السياسة الأميركية المتشددة إزاء العالم.
ومن مؤشرات الهروب إلى الأمام من العولمة ائتلاف دول بريكس الخمس في محاولة للخلاص من سطوة الدولار على الاقتصاد العالمي.
ولقد أنذرت الأحداث التي مرت بتوقعات حرب كونية عالمية قاب قوسين أو أدنى لحدوثها لولا حكمة بعض الدول كالصين مثلاً التي تمكنت من نزع فتيلها بتأجيل اجتياحها تايوان قبل أن تحدث، وأصبح يقيناً لدى الجميع من أن لا عولمة مستقبلاً إنما كل يغنّي على ليلاه (الحمائية(.
أميركا أدركت هذه الحقيقة وتحاول أن تستدرك ما تبقى من جبروتها والمحافظة على دورها في قيادة الاقتصاد العالمي فبدأت تناور تارة وتتساهل تارة أخرى في إشارة- عن رضا وقناعة- إلى أنَّ المستقبل هو متعدد الأقطاب في إدارة الاقتصاد العالمي ولا مجال للانفراد بالقوة التي باتت لا تنفع مع دول وصلت إلى حد اليقين من أنَّ الحل يكمن بتقاسم النفوذ فبدأت تعمل على هذا المنوال.
وبين هذين المشهدين نفذت بعض الدول الناشئة من شبك التبعية الاقتصادية ودخول التحدي باتخاذ سياسات وإجراءات أقل ما يقال عنها إنها بدايات مواجهة حقيقية للأمر الواقع ومحاولة التملص من التبعية.
ولعلَّ أقرب مثال السعودية التي خطت خطوات متوازنة إزاء الأحداث مستغلة قدراتها الذاتية على المناورة واستقلالية قرارها في التعاطي مع الدول وفقاً لمصالحها، وهذا مثال بسيط أسوقه لأصل إلى ما يعنينا نحن في العراق، كم تمكنا من ولوج هذا التحدي؟ وبمعنى آخر ما مدى قدرة العراق على التحدي؟.
نقر بأنَّ ظروف العراق قد تحول دون ولوج هذا التحدي، لذلك يتطلب الأمر تحرير الاقتصاد واستقلاليته لكن كيف؟.
ابتداءً شعار الحمائية الذي رفعته الدول يتلخص بتأمين الغذاء والدواء وامتلاك التكنولوجيا وتطوير التعليم وهذه الأمور تحتاج إلى إرادة وطنية وقرار موحد، هل تتوفر هذه الإرادة في العراق؟
الملاحظ أنَّ دولة رئيس الوزراء يحاول جاهداً خوض تجربة هذا الثالوث المهم لتحرير الاقتصاد والنفوذ وتحقيق الاستقلال للقرار الاقتصادي للبلد ففي جانب السياسات العامة فقد أحسن المناورة في توزيع اهتماماته بين جميع الدول وجعلها على مسافة واحدة، والمتمثلة باستثمارات أميركية وصينية وروسية وعربية وإقليمية، وهذه بداية موفقة وسليمة ولكن بالمحصلة يتعين على العراق أن يحرر سوقه التجارية من أحادية النشاط (الاعتماد على الاستيراد) فقط ومحاولة تنشيط وتعزيز مكانة القطاعات الإنتاجية المحلية الصناعية والزراعية بهدف توفير الغذاء والدواء.
نتمنى أن تلاقي هذه التوجهات دعماً يعبر عن الإرادة الوطنية بأهمية وحتمية أن تكون الأولوية لمصلحة بلدنا وتعزيز اقتصاده.