مقدمات

ثقافة شعبية 2024/01/04
...

كاظم غيلان

يطمح العديد من المبدعين المنتجين لتقديم منجزاتهم المطبوعة من قبل إعلام الثقافة والفن، ولكل منهم خياره ومبرراته، فبعضهم يرى في المقدمة نوعا من الدعاية والترويج للمطبوع، وآخر لربما يرى في ذلك التقديم إضافة لمطبوعه و.... الخ.
المقدمة من وجهة نظر شخصية وحسب تجربتي المتواضعة قراءة معرفية لفحوى المطبوع مثلما هي قراءة للجنس الإبداعي، الذي ينتمي له المطبوع كأن يكون رواية أو مجموعة شعرية أو قصصية.
وبحكم عملي في الصحافة فقد أجريت أكثر من استطلاع عن المقدمة وضروراتها، وكثيرا ما تباينت الآراء، فمنها من أشارت لضرورتها ومنها ما وجد فيها محض دعاية للمطبوع.
لاحظت ان أصحاب التجارب الجديدة هم الأكثر شغفا واهتماما بالمقدمات، ولربما يأتي ذلك من باب التباهي بأصحاب التجارب الكبيرة التي لها وقعها في عالم الشهرة - حسب مايعتقدون -. وبغض النظر عن النوايا الطيبة منها والسيئة. قبل سنوات وفي ختام فعالية شعرية طلب مني أحد الحضور أن أكتب مقدمة لولده الشاعر، فاعتذرت له ونصحته بأن يبقي ولده مجموعته الشعرية دون مقدمة يكتبها له أي شاعر كان، وتجنبا للقسوة التي تتملكني في ردودي، أوضحت له مغزى اجابتي، فلو كانت مجموعة ولده دون المستوى الذي نطمح لن تشفع له اية مقدمة حتى لو كانت للمتنبي. فضلا عما ذكرت فقد شابت الشبهات العديد من مقدمات كتبت مقابل ثمن، ناهيك عن ابتزاز حصل مع العديد من الكاتبات - خاصة -. فما جدوى كل ذلك؟
أعود لرغبة الكاتب/ الكاتبة في المقدمة بوصفها سلما يعلي شأن صاحبه. وهذا محض وهم إن لم يرتقِ الإصدار لمستوى تقبلنا باختلاف درجات الوعي.
سألت صديقاً لي في وسطنا الثقافي عن معنى المقدمة فاختصر اجابته بأنها لاتختلف أبداً عن وظيفة (عريف الحفل). ولربما كان مصيبا جدا، فمهمة عريف الحفل لن تتعدى الإعلان عن اسم من سيقف خلف الميكرفون، ويظل الجمهور بانتظار من سيقرأ وله الحكم وقتذاك. في اصدارات شعر العامية لن تستوقفني سوى البعض القليل جدا منها، فأول مقدمة نبهتني لوعيها الشعري كانت تلك التي وضعها الشاعر يوسف الصائغ لمجموعة مشتركة هي (خطوات على الماء) التي صدرت العام 1970 وشارك بها طارق ياسين، عزيز السماوي، علي الشباني. فكانت تحمل بشارة امتداد لحركة تجديد في شعر العامية العراقية ابتدأها مظفر النواب في مجموعته (للريل وحمد).
أما المقدمة التي اكتسبت أهميتها الأعلى فتلك التي وضعها طارق ياسين لمجموعة علي الشباني (أيام الشمس) فتكاد تكون الأهم ثقافيا في قراءة التجربة بعمقها وليس بسطحها الصداقي.
وتأتي مقدمة عبد الرحمن طهمازي لمجموعة عريان السيد خلف (تل الورد)، من الكتابات العميقة النادرة التي تحدثت عن شعر العامية العراقية بوعي عال. وتبقى المقدمة كموضوع شائع موزعة بين ماهو دعائي ومعرفي، إلا أن الأول (الدعائي) هو السائد في يومنا، وفي كل الأحوال تظل أبدا بعيدة ولربما أوراق فائضة عن الحاجة، ان لم يكن المطبوع شفيعا لصاحبه.