ترجمة : فجر محمد
يقف الروهينغي محمد رضوي وسط أحد مخيمات اللجوء المؤقتة في اندونيسيا، ممسكا بيد ابنه، بعد أن قطع رحلة بحرية مدتها 12يوما هربا من مخيمات اللاجئين المكتظة في بنغلاديش، التي تنتشر فيها تهديدات الخطف والقتل والابتزاز. ويصف رضوي البالغ من العمر 27عاما الوضع قائلا: «الآن فقط بدأت الشعور بحياة آمنة»، في هذا المخيم الذي يقع بمقاطعة (أتشيه) غرب اندونيسيا، حيث وصلها نحو ألف شخص مطلع تشرين الاول الماضي، ويعد هذا التدفق الاكبر للنازحين منذ العام 2015.
فر رضوي ومن معه من الوحشية المتصاعدة في مخيمات مدينة كوكس بازار البنغلاديشية قرب خليج البنغال)، والتي تضم اكثر من مليون لاجئ يرزحون تحت نير عصابات الخطف المنظم والتعذيب طمعا في الحصول على فدية. وقد قامت إحدى هذه العصابات بخطف رضوي والمطالبة بفدية قدرها أربعة آلاف دولار أميركي.
غادر رضوي المخيم برفقة زوجته وولديه وشقيقه، بعد تهديده بالقتل اذا لم يقم بدفع الفدية. وترك المخيم مؤخرا بعد أن دفع الفدية، وفي غضون عدة أسابيع من الحادث استقل القارب برفقة أسرته الى اندونيسيا، وهو يرى أن الحياة في بنغلاديش لم تعد آمنة، لهذا غادرها حفاظا على حياته وأسرته.
يجد اللاجئون الفارون من الاضطهاد، الذي مارسته ودعمته سلطة ميانمار عام 2017، انفسهم مجبرين للقيام برحلات بحرية تستغرق اسابيع ويقطعون آلاف الاميال على متن قوارب متهالكة ومكتظة بالبشر. وتخضع سلطات ميانمار اليوم لتحقيق أممي واسع لأن مجازرها تعد جريمة إبادة جماعية.
أما أندونيسيا، فلم توقع على اتفاقية الامم المتحدة لحماية اللاجئين، وهي ليست مجبرة على استقبال اولئك الذين فروا من ميانمار، لكن الدول المجاورة أغلقت أبوابها بوجه الروهينغا، فلم يكن لهم خيار اخر سوى أندونيسيا.
قبل منتصف الشهر الماضي وصلت آلاف القوارب الى مقاطعة أتشيه، ويقول المراقبون ان هناك دفعة اخرى في طريقها للوصول أيضا، رغم قيام بعض سكان المقاطعة المحليين بإعادة العديد من القوارب الى البحر، كما كثفوا دوريات المراقبة على الساحل.
ذكرت منظمة حقوق الانسان مؤخرا، ان العصابات الاجرامية واتباعها المنتمين لجماعات متشددة، كانوا ينشرون الرعب بين العشرات من مخيمات النازحين في بنغلاديش ليلا.
سطوة العصابات
كما حددت وزارة الدفاع البنغلاديشية وجود 11 جماعة مسلحة تنشط ليلا داخل مخيمات النازحين، لكن جماعات حقوق الانسان تتهم السلطات بعدم حماية اللاجئين من العنف.
تتنافس هذه العصابات في ما بينها على فرض السيطرة والانخراط في نشاطات غير مشروعة، مثل تهريب المخدرات والاتجار بالبشر.
وصلت عائشة البالغة 19عاما برفقة زوجها الى أتشيه، على متن القارب نفسه الذي حمل رضوي وأسرته. وتقول عائشة: «كانت تلك العصابات تطلب المال منا كل يوم، وتهدد بخطف زوجي اذا لم نعطهم ما يريدون.. لم اتمكن من النوم بسببهم».
وفقا لشرطة بنغلاديش فان نحو 60 روهنغيا قُتل في تلك المخيمات ضحية أعمال عنف العام الماضي. ويعلق «فيل روبرتسون» مسؤول منظمة هيومن رايتس ووتش في آسيا بأن «حكومة بنغلاديش مهملة لمصير اللاجئين، فهي تريد عودتهم الى ميانمار بسرعة، حتى لو كانت العودة بإخضاعهم لظروف بؤس مطلقة في المخيمات لكي يغادروها».
وتضيف عائشة وهي أم شابة، أن الخوف من المجرمين دفع أسرتها الى اعطاء مبلغ ألف دولار لوسطاء غير شرعيين، لتأمين نقلها وأسرتها بالقارب الى اندونيسيا رغم جميع المخاطر.
وهي تفضل الموت وسط البحر على الموت في المخيم، فهي تبحث عن مكان آمن لأولادها لكي يتمكنوا من الدراسة واكمال تعليمهم.
وبحسب «كريس ليوا»، مدير منظمة أراكان لحقوق الروهينغا، فان قلة الطعام يزيد من صعوبة ظروف المخيم البائسة، ويدفع بأسر كاملة الى مغادرة المكان، ولم يعد الامر يقتصر على الشباب فقط، مؤكدا أن الوضع الآن يختلف، مع مغادرة الكثير من الأسر للمخيم.
ويقول ليوا:» نرى اليوم أسراً تشق طريقها مع أطفالها مغادرة بنغلادش.»
تتقاسم عائشة واطفالها الآن غرفة بلا نوافذ داخل مأوى بمدينة لوكسماوي بمقاطعة أتشيه الاندونيسية، برفقة نحو مئة امرأة وقاصر، اذ ينامون على حصير يفترش الأرض بلا مروحة تقيهم من درجة الحرارة العالية وسط هذه المنطقة الاستوائية. تتقبل عائشة هذه الاجواء بدلا من حياة الخوف في مخيمات بنغلاديش.
ويأمل رضوي ايضا أن يكون قراره؛ بجلب أسرته الى اندونيسيا فرصة لحياة افضل لأولاده، معلقا: «لم أكن مؤهلا كفاية لأصبح طبيبا أو مهندسا، لكنني أبذل جهدي كي يصبح أبنائي أفضل، فهم كل ما أملك».
عن موقع فرانس 24 الالكتروني