الجفاف يضرب عاصمة الأمازون

بانوراما 2024/01/10
...

  جوناثان واتس
  ترجمة: بهاء سلمان

أحال جفاف مهلك يصيب عاصمة الأمازون، مدينة ماناوس، مناخها إلى دمار كبير مع ثاني أسوأ جودة هواء في العالم، وانخفاض لمستويات الأنهار لأدنى حد منذ 121 سنة.
تتمتع المدينة التي يسكنها مليون نسمة، والمحاطة بغابات مليئة بالأشجار، بسماء زرقاء؛ ويستقلّ السواح زوارق وسط مشاعر البهجة بجولة نهرية عند إلتقاء نهري “نيغرو” و”امازون”، حيث يمكن غالبا رؤية الدلافين وهي تستمتع بما كان يعرف بأكثر مصادر للمياه النقية في العالم.
بيد أن موسم جفاف استثنائي؛ زادت من سوئه ظاهرة النينو والإحترار العالمي البشرية المصدر، قد عمل على تهديد الصورة الذاتية للمدينة، والأحوال الطيّبة للسكان، ومظاهر البقاء على قيد الحياة لكامل حوض نهر الأمازون. وتغلّفت عاصمة الغابات هذه بضباب بني غامق نتيجة التلوّث القادم من الصين خلال المرحلة الأكثر سوء. واندفع الميناء النابض بالحركة عادة إلى مسافة بعيدة جدا عبر مساحات أوحال طينية جافة مليئة بالنفايات.
وتستمر حرائق كثيرة في الغابات الجافة المحيطة، وسجل مراقبو جودة الهواء 387 ميكروغرام من التلوّث لكل متر مكعّب، مقارنة مع 122 ميكروغرام في ساوباولو العاصمة الاقتصادية للبرزايل. وكانت المدينة الوحيدة التي فاقت تلك النتيجة هي المركز الصناعي لدولة تايلند.
وأظهرت أكبر صحف البلاد مؤخرا عبر صفحتها الأولى صورة للميناء المبتلى بالجفاف، يعلوها عنوان رئيسي يقول: “الصحة في خطر”، وموضوع حول تحديات تأمين الأدوية والموارد الأساسية فيما تعجز سفن البضائع عن التنقّل عبر النهر. أما مجلة “سيناريوم” الشهيرة، فكان عنوان موضوعها الرئيس “الأمازون المحترق”، مشيرة للحرارة المرتفعة غير الاعتيادية والرطوبة المنخفضة التي أوجدت ظروفا جافة غاية الخطورة على الغابة.

ضعف القدرات البلدية
أثّرت حالة الجفاف على مساحات شاسعة من البرازيل، وسجلّت ولاية أمازوناس نحو 2800 حريق خلال موسم الجفاف الحالي، والذي قالت عنه وسائل الاعلام المحلية أنه أعلى ما تم تسجيله. ورغم أن المزيد من حالات الجفاف والحرائق غير الاعتيادية كانت متوقعة مع ظروف مثل هذه لسنوات النينو، فقد كانت خدمات مكافحة الحرائق المحلية وتجهيزاتها غير مهيئة بشكل كبير لمواجهة هذه الظروف الطارئة.
ويقول المدير البلدي لبلدة بوربا: “لو توفّرت الامكانيات لدى الدوائر البلدية، لكان بمقدورنا تفادي الكثير من المشاكل.” أما “جين كريسبو”، مدير قسم البيئة ببلدية ماويس، التي تبعد عن ماناوس مسافة 250 كيلومتر، فيقول: “بعض الدوائر البلدية لا تملك ما يكفي من المياه لإخماد الحرائق.”
وتعد الأنهار الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أجزاء عديدة من مناطق الامازون؛ ومع انخفاض مستوياتها، فقد انّقطعت السبل عن بعض التجمّعات السكانية، مثيرة المخاوف من حصول كارثة انسانية. وفي أماكن أخرى، التنقّل عبرها لا يمكن إلا بواسطة القوارب الصغيرة، الأمر الذي يرفع من تكاليف النقل، وهو أمر تذمّر منه سكان تلك المناطق. كما تعرّض انتاج المصانع أيضا للضرر بسبب نقص المؤن، مهددة اقتصاد ماناوس وسمعتها كمنطقة للتجارة الحرة. ودعت سلطات ولاية امازوناس إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة أزمة المناخ التي تعاني منها المنطقة، وقدمت طلبا إلى الحكومة الاتحادية لتلقي المساعدة.
وتستغل جماعات الضغط التابعة لمصلحة الطرق الأزمة لتحفيز المطالب الخاصة بإنشاء طريق ممهد جديد، وهو مشروع مثير للجدل، يربط بين ماناوس وبورتو فيلهو. ويحذّر الناشطون البيئيون المهتمون بشؤون الأمازون من إن هذا الطريق سيكون بمثابة الكارثة لأحد آخر المناطق المتبقية من الغابات السليمة والمهمة على مستوى العالم.

ضرر شامل
قد يكون التأثير السلبي على المخلوقات الأخرى مدمرا، ففضلا عن الوفيات الجماعية لدلافين النهر المهددة بالانقراض، تتعرض أنواع أخرى لا حصر لها إلى الهلاك. وتقول “نويميا اشيكاوا”، عالمة الفطريات المقيمة في ماناوس أنها قد لاحظت غيابا شبه كامل لنبات الفطر من الحقول. وحذّر “فيليب فيرنسايد”، الباحث لدى معهد بحوث الأمازون، من أن الغابة المطيرة قد انتقلت إلى مرحلة الانحدار غير القابل للعودة مع امتداد مواسم الجفاف لفترات أطول، وأيام أكثر من الحرارة الشديدة وإنعدام الأمطار.
وعلاوة على المخاطر، يعمل السكان على تحويل المزيد من أراضي الغابات إلى مراعي للماشية يتم حرقها عادة. يقول فيرنسايد: “تزيد حالات موت الأشجار بسبب هذه العمليات من مخاطر حلقة النيران، إذ يصبح الخشب الجاف المتروك وقودا لحرائق الغابات. وبإمكان الحرائق المتكرّرة تدمير الغابة بالكامل، فمع النقاط الحرجة المتعلّقة بدرجات الحرارة وطول مدة موسم الجفاف، تبرز خطور تراجع الغابات إلى حد معيّن، ومن المرجح أن يكون قريبا.”
ساعدت فترات قصيرة من الأمطار بمناطق أعالي النهر مؤخرا على رفع مستوى الأمل لإمكانية إنحسار موسم الجفاف وانتهائه، غير إن خبراء الأرصاد الجوية يؤكدون إن الوقت ما زال مبكرا جدا للتنبؤ بهذا الوضع. ومع هذا، فإنّ اتجاهات المناخ تجعل الأمر حتميا تقريبا من أن هذا الجفاف لن يمثّل الرقم الأعلى لفترة طويلة.

صحيفة الغارديان البريطانية