جيسيكا ووزنسكي فليمنغ
ترجمة: أنيس الصفار
عندما يدير ولدي “إيفيريت” ذو السبع سنوات نظره في انحاء المنزل يرى علم جورجيا المعلق وسط رواقنا الأمامي بحمرته القانية مزيجاً من البني والأصفر.. وزهور البغونيا الوردية النابضة بالحياة في حديقتنا يراها بيضاء. أما علبة ألوانه، التي أراها أنا وكأنها مشكال يتماوج بصبغات وألوان خلابة، لا يرى هو فيها سوى مجموعة متداخلة خامدة من البني والكاكي والأصفر والأزرق بدرجات متفاوتة.
حالة شائعة عميقة الأثر
“إيفيريت” مصاب بعجز بصري في اللونين الأحمر والأخضر يعرف شيوعاً بإسم عمى الألوان. أنا لست مصابة بهذا النقص، ولكني استخدمت مؤخراً تطبيقاً يسمى “محاكي الرؤية اللونية” كي أتمكن من التقاط ومضات عن الكيفية التي يرى بها ولدي ما يحيط به. ما رأيته كان عالماً مجرداً من كثير من الرموز اللونية التي نستخدمها نحن الباقين بصورة تلقائية لتصنيف الاشياء وفرزها والتعلم، تلك الوسائل التي يستخدمها المعلمون لإيصال المعلومة الى الاخرين.
هناك تلاميذ لا عد لهم يعانون مثل “إيفيريت” من هذا العيب البصري وهم لا يشعرون، فواحد من بين كل اثني عشر صبياً مصابون بعمى الألوان، وفتاة من بين كل 200 مصابة به ايضاً.
رغم كل هذا الشيوع فإن 11 ولاية أميركية فقط تجري اختباراً لعمى الألوان ضمن اختبارات البصر الخريفية المقررة للمدارس الابتدائية. وحتى فاحصو البصر لا يجرون هذا الاختبار بصورة روتينية.
إن إدراج اختبار عمى الألوان ضمن الاختبارات الأخرى سيكون خطوة بسيطة تجعل التعليم أسهل للآلاف من التلاميذ والطلبة.
في أي صف يضم 24 تلميذاً هناك واحد تقريباً يعجز عن رؤية الكتابة التي يخطها المعلم على اللوحة البيضاء اذا كانت باللون الوردي، كما لا يستطيع تمييز قمصان فريق مدرسته الرياضي، ويبقى يتساءل لماذا يشعر التلاميذ الآخرون بالدهشة والانبهار في درس العلوم من تفاعل كيمياوي معين لا يصحبه أي تغيير. أحيانا لا يعني عمى الألوان أن المصابين به لا يرون الألوان، وإنما يرونها مختلفة. وغالبا ما تبدو الألوان المتباينة (كالأحمر والاخضر) غير قابلة للتمييز عن بعضها عند درجة شدة معينة. تشير الدراسات الى أن 80 بالمئة من عملية التعليم تعتمد على الجانب البصري، سيما المدارس الابتدائية، إذ تلعب الألوان دوراً مهماً. أما إستخدام الألوان للإشارة الى معلومات معينة (مثل مفاتيح الخرائط وغيرها) فيمكن ان يجعل الطالب المصاب بعمى الألوان يخطئ في فهم المعلومات المقصودة. ويمكن للمعلمين وأهالي التلاميذ المساعدة بإجراء تعديلات بسيطة، ولكن يجب عليهم إبتداءً أن يعلموا بأن التلميذ يعاني من عيب بصري.
التشخيص المبكر ودور المدرسة
يفيد بحث اجرته احدى الجهات التي تصنع نظارات خاصة للرؤية بالألوان ان كثيرا من الاطفال لا يكتشفون انهم مصابون بعمى الألوان حتى السنة السابعة من دراستهم، والعديد منهم لا يفطنون الى ذلك إلا عند مرحلة البلوغ. تخيل كم يمكن لهذا ان يؤثر على ثقة الطفل بما حوله. حدثني “سكوت هانسون”، مدير مدرسة في ولاية مينسوتا، عن شعوره بالارتياح عندما اكتشف خلال مرحلة الدراسة الثانوية انه مصاب بعمى الألوان. قال: “فجأة بدأت افهم سبب كرهي لدرس الفنون وأنا طفل، كيف كان الاخرون يسخرون مني لأنني ألون قمصان فريق “مينسوتا فايكنغ” باللون الازرق بدلاً من الارجواني. فحينما لا تكون واثقاً من ألوانك لا يمكنك الوثوق بشيء.”
عندما بدأت احدى مدارس ولاية فرجينيا اجراء اختبارات عمى الألوان سنة 2018 اكتشفت ان ثلاثة بالمئة من تلاميذها مصابين بهذا النقص، وأن كثيرا من المحتاجين لخدمات التعليم الخاص كانوا أيضاً مصابين بعمى الألوان. ما جعل المسؤولين يتساءلون إن كان اولئك التلاميذ بحاجة حقاً لتلك الخدمات الخاصة أم إن غاية ما في الأمر هو أنهم يعانون اثناء التعليم بسبب قصور نظرهم.
“روهيت فارما” طبيب وباحث وهو مؤسس “معهد جنوب كاليفورنيا للعيون” قام بدراسة عيب عمى الألوان لدى الاطفال خلال سن ما قبل المدرسة. يقول فارما إن ذلك هو السبب بعدم اجراء فحص عمى الألوان روتينيا للأطفال. موضحا: “منذ سن مبكرة تعتمد الواجبات المسندة الى الاطفال في المدرسة على الألوان، وعندما يرتبك الطفل أمام تلك الواجبات يسهل الافتراض بأنه لا يمتلك القدرة الذهنية في حين انه يرى العالم بصورة مختلفة، وهذا هو مكمن المشكلة.”
لا شك ان المدارس تعاني من قلة الموارد، ولكن 41 ولاية أميركية تشترط اجراء اختبارات بصر للأطفال، وإضافة اختبار تمييز الألوان الى تلك الاختبارات لن يكلف الكثير. بل ان التلاميذ والطلبة يستطيعون أخذ اختبارات مجانية عبر الإنترنت على اجهزة حواسيبهم، مثل اختبار “إنكروما”.
يعتقد عديد من الخبراء، ومن بينهم فارما، ان اطباء العيون لا يولون عمى الألوان اهتماماً يذكر؛ ظنا منهم أنه حالة وراثية وبالتالي هو عيب لا علاج له. يقول فارما: “رغم ذلك يمكن عمل الكثير لجعل حياة الطفل المصاب اكثر معنى اذا ما تنبهنا الى وجود عمى الألوان عنده وتعاملنا معه منذ وقت مبكر.”
بالنسبة لي احمد الله لأننا تمكنا من اكتشاف عجز البصر لدى “إيفيريت” في سن مبكرة، لكني ابقى اشعر بالقلق على اولئك الاطفال الذين لا يدركون ابداً انهم مصابون بعمى الألوان والذين لن يلقوا الرعاية المطلوبة لعدم شعور احد بالمشكلة. فإذا ما كان عندك طفل يتلقى الفحص السنوي المقرّر للبصر في مدرسته يمكنك ان تطلب من ممرضة المدرسة أو الإدارة ان يدرجوا ضمن الفحص اختبار تمييز الألوان. ربما سيأتي يوم يصبح فيه هذا الاختبار الاساسي السريع ثابتاً من الثوابت مثل فحص التحقق من قدرة التلميذ على تمييز الحروف المكتوبة على السبورة أمامه.
عن صحيفة {واشنطن بوست}