الكيان الصهيوني بوصفه بندقيَّة للإيجار

آراء 2024/01/15
...

 رعد أطياف


اليهود، بشكل عام، هم ضحايا أساطيرهم الدينية. بالتأكيد سيقتنعون بأي رقعة جغرافية حتى لو كانت في أقصى العام ليحلموا فيها، ويتداولون هناك أساطيرهم التوراتية. لكن الأمر ليس موكولاً إليهم، وإنما لمن بيده مقاليد القوة والنفوذ. لا بد أن يستقروا في الشرق الأوسط كمستعمرة، أو كاميرا تصور عن قرب ما يجري، وشرطي عليه فروض مقدسة ينبغي أن يؤديها، وبخلافه لا أورشليم ولا من يحزنون!

وكان الثمن الباهظ الذي عليهم أن يسددوه للقوى الكبرى هو أن يتحولوا إلى بندقية للإيجار. لقد دفع الأوربيون اليهود إلى الشرق الأوسط، وتخلصوا منهم إلى الأبد، وكان علينا نحن من نسدد هذه الأثمان الباهظة، وبالخصوص الشعب الفلسطيني الجريح، وهو يتعرّض لإبادة جماعية واضحة. فقط الولايات المتحدة غاضبة وتتهم الخطاب المتضامن مع الفلسطينيين بـ”النفاق”

ليست دويلة إسرائيل بذاتها ومن يسكن فيها على أنهم العدو الستراتيجي الرئيسي والمباشر في المنطقة! وإنما هم، وبالحسابات الاستراتيجية، عبارة عن مخزن أسلحة عملاق، ومركز عمليات عسكرية متطور، وشعب معبأ بذاكرة أسطورية. لا يمكن لإسرائيل أن تصمد طويلاً في حرب فعلية، لولا الدعم اللامحدود الذي تغدقه عليها الولايات المتحدة؛ فهذه البقعة الاستعمارية أصغر من أن تصمد في قتال، بيد أن الضخ الديني المتواصل، والامتيازات الكبيرة التي يحظى بها “المواطن” الإسرائيلي، جعلتهم يصدقون أسطورتهم. 

إسرائيل ترجمة حرفية للمصالح الستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط و في الماضي لبريطانيا العظمى. العرب لا يدينون هذه الدويلة بالفعل، وإنما يدينون المهيمن الأول في العالم وقراراته التي تدعم إسرائيل علناً. ثمة رأي يتردد، وبات يتمتع بوضوح ومصداقية بين أوساط الرأي العام، ومفاده، بأن الولايات المتحدة محكومة من قبل اللوبي الصهيوني. وعلى الرغم من النفوذ الذي لا يذكر لهذا اللوبي، لكن الموضوع ليس أكثر من تسطيح للحقائق ودفعها إلى مكان آخر. في كتابه الشهير “أمريكا المختطفة” يصر أستاذ العلوم السياسية (جون ميرشايمر) على أن الولايات المتحدة أسيرة وتحت رحمة اللوبي الصهيوني. وفي الحقيقة، وبالرغم من بعض الشواهد التي ساقها في كتابه، لكنّها لا تستطيع إقناعنا بأن الولايات المتحدة أضحت عصفوراً خائفاً بين كف الصهاينة! فضلاً عن أن إشاعة مثل هذه الآراء يصب في صالح الولايات المتحدة وتصورها كما لو أنها حمل وديع. 

فالقضية الجوهرية ليست في ضعف إسرائيل، وإنما في المهيمن الرئيس الذي يدير رقعة الشطرنج هذه. ثنائية الربح والخسارة، القوة والضعف، لا تخضع لها إسرائيل، لأنّها فوراً ستتلقّى الحقن المغذية من الخارج، وتاريخ مواجهتنا معها ليس ببعيد، ورأينا كيف تم حقنها وتنشطيها من الخارج. أن البنية الداخلية لهذا الكيان، ورغم الترسانة العسكرية الهائلة، إذا ما واجه الوقائع وحده من دون دعم خارجي، لا يصمد كثيراً. 

هذه الأمور مرهونة برفع اليد عن إسرائيل، وهو حلم بعيد المنال. وسنرى في المرافعة الجارية في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، التي قامت بها جنوب أفريقيا، سنرى كيف تنتفض الولايات المتحدة من أجل إثبات انتفاء الإبادة الجماعية، وأن الجيش الصهيوني لم يستهدف مدنيين!

 النظرة المهمة تكمن في ترقب تغيير ميزان القوى، ولمن ستميل القوة الأولى في العالم مستقبلاً، كيف ستنظر الصين، بوصفها أقوى المرشحين لقيادة العالم، إلى هذه المنطقة المتوترة؛ للعرب وحضارتهم وثرواتهم الخصبة، وعلاقاتهم التاريخية مع الصين، والتي لم يشبها التوتر طوال هذا التاريخ، أم لمصالحها الحيوية، وتسييرها بالشكل الذي يضمن إدارتها لفنون اللعبة على أكمل وجه، ومنها القبول بهذه المستعمرة الصغيرة المسماة “إسرائيل” بوصفها شرطيها الصغير في الشرق الأوسط؟ لا شيء يمنع من توقع العكس.