مآب عامر
أتذكر جيدا عندما طلبت معلمة درس الفنية أن نجهز أوراقاً ملونة ومقصا، كواجب منزلي للدرس المقبل، وكيف جمعتنا بعده في وقت الحصة في مختبر الفنون بالمدرسة، يومها وقفت في منتصف القاعة، وبدا شكلها مبهرا، وهي ترتدي تنورة سوداء وبلوزة زهرية اللون، لقد كانت لمرات عدة تطوي بأصابعها ورقة بلون أحمر، وتحاول أن تقص بعض زواياها بحرفية جذابة.
وعندما أنجزت المهمة فتحت الشكل أمامنا، وإذ بها زهرة حمراء لطيفة المعالم.. آنذاك طلبت منا أن نبدأ بالقص بالطريقة نفسها حتى نجح أغلبنا بصناعة
زهرة.
بعد عودتي للمنزل بدأت أمارس قص الأوراق بحماس، وأصنع الزهور، ومن ثمَّ ألصقها على الجدران كافة، ما دفع بأمي إلى الغضب ومعاقبتي بسبب بعثرت بقايا قصاصات الورق في كل أنحاء المنزل وأركانه.. وهكذا منعتني من استخدام المقص تحت أي ظرف كان.
لكن، هذه الذكرى تجعلني أفكر الآن في بعض التساؤلات، منها: هل حدث وأن جلست خلال مراحل طفولتك وتحديدا بعد حضور درس للفنية في زاوية من منزلك، وأمسكت ورقة وقلما وأخذت تقصُّ بلا هوادة، من منا لم يفعل ذلك؟ وماذا عن نشرات الحفلات وأعياد الميلاد، هل حاولت في يوم تجربة صناعة واحدة منها، أم علقت أخرى؟
وبحسب المصادر يُعرف “طي ونحت الورق أو قص الورق” على الرغم من رفض الفنانين لفكرة القص بـ “فن الكيروجامي”، وقد شهد أول ظهور له في القرن السادس عشر الميلادي، ومنهم من يُرجح أصوله إلى الصين وبعدها إلى اليابان، ولكن هناك من يرى أنه فن ياباني، وأن أول ظهور له كان مع اكتشاف الورق.
واليوم ينتشر هذا الفن بشكل واسع في جميع بلدان العالم، ويتعلمه الفنانون كمحتوى لفيديوهات تعرض على منصات التواصل الاجتماعي، ومنهم من يعرض تصاميمها هكذا، بينما غيرهم يعمدون إلى الإعلان عن تقديم دورات لتدريب هذا الفن
واجادته.
إن أول استعمال لهذا الفن كان على شكل ممارسة تعبدية، حيث اختلفت الأقاويل حول الهدف الحقيقي من استعماله، وكان منهم من يلجأ إليه للحرق في الجنائز بدلاً من الخشب، وفي العصر الحديث اعتبرت تايوان هي من حافظت على هذه الطقوس.
والآن.. من منا لم يمتلك هوس تشكيل الطائرات الورقية والقوارب الصغيرة بأنامله، هذه العملية التي تعتبر واحدة من أعمال الايروكامي، وتنحسر مهمتها فقط بطي الورق بأشكال متنوعة.. لقد كان هناك شغف كبيرٌ ومتعة بصناعتها وما زال.