بعد تغيير النظام في عام 2003، كان العراقيون متلهفين لرؤية جديد ما بعد التغيير. كمهتم ومتابع للإعلام، وفي يوم كنت اسير في منطقة الباب الشرقي، قلب العاصمة بغداد وتحديدا في ساحة الفردوس، فوقعت عيني على مطبوع جديد هو عبارة عن صحيفة وكما أتذكر كانت بثماني صفحات او اكثر، مكتوب في الاعلى جريدة “الصباح”.شعرت باندفاع عجيب فقد ملت بكل جسدي لا تناول نسختي الأولى من الصحيفة، التي رأيتها وكأنها تعلن عن عصر جديد.. صحيفة أعلنت انطلاق عهد جديد، فلم تعد الساحة الإعلامية محصورة للثورة والجمهورية وبابل ممن تتزين صفحاتها الاولى بصورة القائد الضرورة او زين الشباب.
إنطلقت “الصباح” بكل مهنية فمن يديرها أناس مهنتهم الإعلام لا السياسة، لايجيدون المدح والتسبيح والتهليل بحمد وشكر القائد ورجاله، فهي مثلت النفس الأول في رئة الإعلام العراقي الجديد، المنطلق بفضاء الحرية والتحرر والانعتاق.كانت الانطلاقة الأولى لفجر جديد في تاريخ الإعلام العراقي، الذي أصبح الأكثر حرية في المنطقة وينافس في العالم.. فهذه الصحيفة، ومن حيث لا يشعر أحد، زرعت الأمل ومثلت الحلم وأيقضت الألم المكبوت لسنوات طوال، ليس فيه إلا الفكر الواحد والرأي المستبد والتصميم المنفرد.
“الصباح” في عددها الاول كانت أنيقة في عيون الجميع كونها انتقاله في كل شيء، لم يشهدها العراق منذ أكثر من 40 عاما، حينما تسيد وتسلط الجهل والخرافة والتخلف، بداية من التصميم والتنظيم وليس انتهاء بأسماء من شارك في تحرير العدد الأول.إنطلقت ليأتي بعدها الآخرون والأخريات عدد من الصحف الخاصة والفضائيات والإعلاميين الجدد ممن حرموا أو منعوا أو امتنعوا قبل صدور “الصباح” من ممارسة مهنتهم كإعلاميين، فبدأت مسيرة جريدة “الصباح” ولهذا اليوم، تتقدم للأمام وتأتي بالجديد، لهذا احتفظت بالصدارة منذ انطلاقها ومستمرة.كحال معظم مفردات العراق الجديد؛ تعرضت “الصباح” للنكس والتنكيس، للتتهيم والاتهام، طعن بمهنيتها وبميولها، استهدف رجالها وقادتها، لكنها لم تتنازل ولم تتراجع، وكان تواجه أمواج التوهين والتهوين بعزيمة تؤكد صحة تحليلنا؛ بأن “الصباح” وليدة المعاناة والوجع العراقي طيلة عقود من الزمن، لهذا صمدت وصبرت لا بل وتقدمت للأمام، اليوم “الصباح” كما أسلفنا مازالت في قمة الصحف الورقية وانتقلت لتنافس عربيا بإتجاه العالمية.هذه هي ثمرة سنوات من الجهد والجهاد والمثابرة من قبل العاملين فيها، هذا ثمرة مهنية وحرفية من تولوا رئاسة تحريرها.. فشكرا لـ”الصباح” لأنها أول من جعلنا نشعر بأن العراق ينتقل ويتحول من الأنا إلى الـ (نحن)، ويعود ملكا لأبناء بكل أطيافهم وطوائفهم عليهم نفس الواجبات كما لهم نفس الحقوق.صبر وصمود وتقدم “الصباح” يقول لنا إن القادم وأن تأخر سيكون أفضل، وسيكون العراق سيدا كما ارادت له السماء عندما اختارت له الجغرافية والثروات وهكذا انسان.