غزة والإعلام الموازي

آراء 2024/01/16
...







 طالب سعدون

لا يقتصر النصر في غزة على الجانب العسكري والاستخباري فقط، بل امتد إلى الجانب المعنوي ومنه الاعلامي وخاصة في الاعلام الموازي للاعلام الرسمي الغربي، الذي لم يستطع على مدى أيام الحرب الطويلة أن يطمس الحقائق. لم يستطع الاعلام الغربي ان يتستر على حالة التراجع الكبيرة في الجيش الاسرائيلي أو أن يظهر المقاومة الفلسطينية على غير حقيقتها وهي في تقدم وتزداد قدرتها يوما بعد يوم في الحاق أفدح الخسائر بالقوات الصهيونية عددا وعدة. لقد كشفت غزة أكاذيب كثيرة كان الغرب يتستر بها على جرائمه، ومنها ما يتعلق بحقوق الإنسان ليبتز أو ينال بها دولا معينة تحت هذا الستار والشعار والإدعاء بأنهم حماتها والمدافعون عنها..
كما اظهرت غزة حجم التعاطف والتاييد ضد الجرائم الصهيونية التي كان الغرب يغطي عليها ويلاحق من يتحدث عنها، ومنها فكرة معاداة السامية التي استغلت لقمع كل انتقاد يوجه (لإسرائيل ) بما في ذلك الانتقاد المشروع لافعال تتعارض مع القوانين الإنسانية، ومنها جرائم الابادة، وقتل الاطفال والصبيان والنساء وتدمير المنازل على ساكنيها، ومصادرة حق الفلسطينيين المشروع باقامة دولتهم على كامل أرضهم..
لقد احدثت غزة تطورا كبيرا في الرأي العام الغربي لم يكن قبل السابع من اكتوبر بهذا الحجم، بل يكاد يكون معدوما إلا من استثناءات قليلة.
 فرغم قوة الاعلام الرسمي الغربي والامريكي في امكاناته المادية وقدرته على التضليل والخداع وتأييد (اسرائيل) في عدوانها، لكن الإعلام الموازي بما في داخل الكيان الصهيوني نفسه، اضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي عامة استطاع أن يكشف حقائق الهزيمة الصهيونية وحجم خسائرها الاقتصادية، ومنها هبوط قيمة عملتها (الشيكل)، وفقدان الفرص الاستثمارية في قطاع التكنولوجيا الذي كان هذا الكيان يفخر به، ويمثل رقما متميزا في الانتاج والاقتصاد والموارد المالية على مستوى المنطقة والعالم، وتراجع الانتاج العسكري خاصة في مجال التكنولوجيا الاستخبارية بعد الضربة البطولية في السابع من اكتوبر وتراجع القدرة العسكرية بصورة عامة أمام ضربات المقاومة الباسلة بما في ذلك ما يسمى بقوات النخبة الإسرائيلية - لواء ( جولاني ) وتراجع معنويات العسكريين.
ويقدر الخبراء حجم الخسائر العسكرية الاسرائيلية اليومية بحدود 250 مليون دولار.. وهو رقم كبير بلا شك. ومن هنا فان الاعلام الموازي الغربي والاسرائيلي إلى قدر معين يمارس عملية مركبة: فضح الهزيمة وتعرية الجريمة. كانت غزة درسا ليس للصهاينة ولا للمطبعين فقط ولكن للعرب جميعا، اذ كان هناك من يتوقع أن (إسرائيل) ستنهي الحرب بساعات وربما بايام قليلة لصالحها مثلما اعتادوا على ذلك، لكنها (إسرائيل) فوجئت بقوة المقاومة الباسلة وصمود الشعب الفلسطيني امام الجريمة والآلة الصهيونية بكل امكاناتها.
 وهذا الأداء البطولي الفلسطيني والهزيمة الاسرائيلية غيّرا الموازين والتقويمات السابقة والاراء العسكرية والاعلامية عن هذا الكيان، مما دفع أحد الخبراء الستراتيجيين العسكريين إلى التعجب والمقارنة بين (إسرائيل) السابقة والحالية والتساؤل: كيف مثل هذا الجيش وهو بهذه المعنويات الهابطة والاداء المتخاذل أن يهزم العرب في عدة دول في عام 1967 وفي معارك متفرقة لاحقة على مدى سنوات طويلة.. وهذا ما لم يحصل قبل غزة..
كل تلك المعطيات العسكرية والمعنوية والإعلامية ستجبر الكيان الصهيوني على التراجع والقبول مرغما على التفاوض، ولكن ليس بالشروط الإسرائيلية أو في الاقل ما تتمناه بعد اليأس، الذي أصاب (إسرائيل)، والهزيمة أمام الرأي العام العالمي، ومنه الإسرائيلي عن الاخفاق بتحقيق أهدافها، التي تبجحت كثيرا بتحقيقها ومنها القضاء على المقاومة أو إرجاع الأسرى والمختطفين أو تحقيق مخطط تهجير الفلسطينيين.
تلك أمور اصبحت من المستحيلات.. أو قل من الماضي في اقل تقدير كما يرى الكثير من المراقبين والمحللين. غزة علامة مضيئة وتحول ستراتيجي كبير في تاريخ المقاومة الفلسطينية وستكون المنطلق لعودتها لتحتل الصدارة من جديد في القضايا العربية، وتعود لها مركزيتها بعد أن تراجعت كثيرا عن تلك الدرجة بسبب هرولة المطبعين نحو هذا الكيان، بفعل الضغط الأمريكي أو الخوف الذي اعتلى البعض من تلك القوة الوهمية الإسرائيلية، التي اظهرتها غزة على حقيقتها بأنها نمر من ورق.