سناء الوادي
جعل رئيس الوزراء الإثيوبي « آبي أحمد « من طموحه للوصول للمياه الدافئة قضيةً وجوديةً لبلاده، وهذا ما كشفه صريح مقاله في العام الماضي، إلى أنْ بدأت النوايا تترجم فعلياً على أرض الواقع منذ دخولنا العام الجديد بتوقيعه مذكرة تفاهم مع أرض الصومال «الفيدرالية المنشقة عن دولة الصومال» والتي تعطيه أحقية التصرف بما مقداره عشرون كيلو مترت مربعا من ميناء بربرة المطلّ على خليج عدن لمدة خمسين عاماً،حيث يشكل مع مضيق باب المندب اليمني رأس المثلث الجنوبي للبحر الأحمر
وهذا ما يثير عديد التساؤلات حول غايات هذا الشخص المثير للجدل بسياساته التي قد تشعل النار في القرن الإفريقي في ظلّ التوترات والنزاعات الداخلية في الدول الشرقية للقارّة السمراء، فها هي السودان تعاني ما تعانيه والصومال المفككة داخلياً، ومصر التي تتعرض للضغوط الكبيرة على كامل أطرافها، وقبائل التغراي وإقليم امهرة المشتعل ضد حكومة آبي أحمد في أثيوبيا نفسها، ناهيك عن اريتيريا التي ناهضت الاحتلال الأثيوبي لها ثلاثة عقود من الزمن لتنال استقلالها عنه في تسعينيات القرن الماضي إلا أنها مازالت تقاسي هاجس عودة هذا السيناريو مع جموح طموحات آبي أحمد بالوصول للبحر الأحمر، وامتلاك منفذٍ بحري لبلاده يمكّنه من المشاركة بفعالية في مستقبل التجارة العالمية.
هذا وتلقفت الصومال هذه التصريحات
التي أعلن عنها الجانبان في مؤتمر صحفي في أديس أبابا بالرفض المطلق، وهو ما اعتبره الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود انتهاكاً وتعدّياً عل سيادة الدولة ونهباً لثرواتها على اعتبار أنَّ أرض الصومال هي جزءٌ من
الدولة الصومالية ولم يتم الاعتراف باستقلالها من أي دولة في العالم، فضلاً عن أنَّ المفاوضات كانت قد عادت قبل ثلاثة أيام فقط من إعلان هذه المذكرة بوساطة جيبوتية للاتفاق على الوضع الدستوري للإقليم، ومع ما تشهده مقديشو من تواجد لحركة المجاهدين الشباب التي تنتمي لتنظيم القاعدة والتي برزت أصلاً كحركة مدافعة عن البلاد
في وجه الغزو الإثيوبي منذ العام 2006م والتي تعلن انسجامها مع الرئيس شيخ محمود للمرة الأولى إزاء هذا الموقف، حتّى أنَّ المخاوف تسللت إلى الجماعات المعارضة في أرض الصومال خشية خسارة الأصول الستراتيجية لها وفقدان السيطرة عليها مع الوقت خاصةً بعد وجوب تواجد القوات البحرية الإثيوبية في الميناء لحماية مصالحها في المياه
الإقليمية.
وضمن هذه السياقات المتداخلة هل سيكتفي آبي أحمد من بضعة كيلومترات على ميناء بربرة أم أن امبراطورية أثيوبيا، ستطاول ذراعها نحو أريتيرية مجدداً بعد إحكام السيطرة على الميناء وهل سيكشّر الذئب عن أنيابه لقضم المزيد من نهر النيل، الذي استحوذ على الحصة العظمى من مياهه خلف سدّ النهضة حيث ازداد الاحتقان
السياسي مع شريكتيها في النيل مصر والسودان، وهل ستتطور الأوضاع لاندلاع حرب المياه إذا ما آلت إلى شعور القاهرة بالاختناق على الصعيدين النهري والبحري فما لا يجب أن يغيب عن البال التحديات، التي تطال قناة السويس المورد الاقتصادي الأهم للدولة المصرية، فسياسة آبي أحمد التوسعية مشكوك بنواياها وأهدافها من جيرانه، أم أنَّ الأخير سيقف عند حدود إرضاء وتهدئة الشارع الإثيوبي المتعب اقتصادياً والمثقل بالحروب القبلية، إذا ما وفّر للخزينة العامة أجور ميناء جيبوتي الممر الرئيس لتجارة البلاد الحالية، والتي بدورها قد تشعر بالامتعاض من خسارة المداخيل التجارية تلك .
مما لاشك فيه أن هناك أطرافاً إقليمية تقف وراء آبي أحمد بالدعم المالي والسياسي، وهو ما تدور حوله تحليلات غالبية المحللين المتعمقين في الشأن الشرق إفريقي
بوجود مصالح إمارتية في ذلك، وهو ما تعارضه الدول المطلة على حوض البحر الأحمر في مشاركتها في تحديد ستراتيجيات ومسارات الأحمر الممر الأهم في
مسار التجارة العالمية، ناهيك عن أنَّ اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال سيثير غضب التنين الصيني المستثمر الأكبر في دول السمراء، والذي يبني فيها سياسة تنادي بالصين الواحدة وهو ما خرقته أرض الصومال باعترافها باستقلال تايوان عن الصين.
ومع توالي التصريحات الرسمية للدول الجارات التي رفضت هذه المذكرة وساندت الصومال في دعم وحدة أراضيها وعدم انتهاك سيادتها، استناداً للقانون الدولي، هل سيثني ذلك آبي أحمد عن العدول عن
ترجمة طموحه واقعاً أم سيضرب بعرض الحائط كل هذه التناقضات، ويستغل الانشغال الدولي بحرب إسرائيل على قطاع غزة ويمضي قدماً بذلك مستفزاً بذلك حركة الشباب المجاهدين لتنفيذ هجمات في العمق الإثيوبي.
الأيام القادمة مثقلة بالتوترات التي قد تفضي لنزاع مسلّح في القرن الإفريقي إذا ما فشلت الأطراف الإقليمية بإجبار آبي أحمد عن التراجع عن ذلك.
كاتبة سورية