علي مهدي
بعد الانتهاء من الانتخابات وإعلان النتائج الأولية، تناقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الصراع الدائر بين القوى الفائزة بخصوص اختيار المحافظين، حيث يطالب البعض ومنهم من الإطار التنسيقي أن تكون حصة المحافظين، يتم تقاسمها بشكل مركزي والقسم الأخر ومنهم الناخبون المصوتون لعدد من المحافظين يراها أن تكون وفق الاستحقاق الانتخابي لكل محافظة وإرادة الناخبين فيها.
بشكل عام في النظم الديمقراطية والتي تجري فيها انتخابات دورية للمجالس النيابية والمحلية، يتم اختيار رئيس الحكومة والمحافظ والذي هو بمثابة رئيس الحكومة المحلية وفق مبدأ الأغلبية والأقلية، حيث الأحزاب أو التحالفات التي تحصل على الأغلبية، هي التي تقوم باختيار هذين المنصبين، وعادة لا يتجاوز عدد الأحزاب والتحالفات المتنافسة فعليا في هذه النظم عدد أصابع اليدين، ولهذا تسهل مهمة الاختيار.
أما في العراق فالصورة أكثر تعقيدا، حيث الأحزاب المتنافسة، قد تجاوز عددها لما يقرب من 290 حزبا شارك في الانتخابات الأخيرة، واضطرار الأغلبية منها، الدخول في تحالفات لصعوبة الفوز بشكل منفرد، وكذلك لسيادة مفهوم التوافقية الذي يعني مشاركة الأحزاب الفائزة في الحكومة على نطاق المركز أو المحافظات والذي يعكس التمايزات المحدودة للتوجهات العامة لهذه الأحزاب.
ومن خلال مسيرة تشكيل الحكومات منذ أول انتخابات سنة 2005 وحتى الوقت الحاضر، لم تنجح القوى الفائزة بتشكيل حكومات وفق مبدأ الأغلبية على نطاق المركز، رغم الدعوة المبكرة لها التي أطلقها السيد نوري المالكي عندما كان بمنصب رئيس مجلس الوزراء ومن ثم تبنيها من قبل السيد عمار الحكيم، ولم ينجح أيضا السيد مقتدى الصدر في تحقيق حكومة الأغلبية، رغم حصول كتلته على أعلى المقاعد في مجلس النواب وقد كادت البلاد أن تذهب إلى المجهول بسببها عند منتصف سنة 2022، ويبدو حتى هذه اللحظة، لم تنضج القوى السياسية المتنفذة للأخذ بمبدأ الأغلبية.
إما بالنسبة لمجالس المحافظات فالوضع يختلف تقريبا، حيث تتميز محافظات العراق بشكل عام بالتجانس المجتمعي، حيث أكثرية المحافظات تتمتع أغلبيتها بتركيبة قومية وطائفية من لون واحد ما عدا العاصمة وعدد محدود من المحافظات، فالقوى السياسية المتنافسة هي من طيف واحد والحاجة للأخذ بمبدأ الأغلبية أكثر مما هو في المركز عند تشكيل الحكومات، ولذلك تم انتخاب العديد من المحافظين وفق مبدأ الأغلبية من خلال تشكيل تحالفات قائمة على أساس توزيع عدد من المناصب بين الأحزاب المتحالفة، لان كل التعيينات تحتاج إلى الأغلبية عند التصويت عليها في مجلس المحافظة، وبالطريقة نفسها يتم إسقاط واستبدال عدد من المحافظين والمسؤولين، بسبب حدوث تغيرات في التحالفات التي كانت قائمة، ولذلك شاهدنا عملية استبدال العديد من المحافظين قبل استكمال دوراتهم الانتخابية.
وهذه تعتبر ممارسة طبيعة تحدث في إي نظام
ديمقراطي.
إن طريقة انتخاب المحافظ والمسؤولين لكل محافظة واستبدالهم تتم بسهولة ويسر بالمقارنة مع الإجراءات المتبعة في اختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء، والتي نظمها قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 والذي تميز بالوضوح وعدم التأويل، حيث انتخاب المحافظ يحتاج إلى الأغلبية المطلقة في جلسة الانتخاب، وإذا لم يحصل عليها في الاقتراع الأول، تتم المنافسة بين أعلى مرشحين، ويكون محافظا من يحصل على أعلى الأصوات في الاقتراع الثاني، بشرط حضور الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس.
وهذه الآلية في انتخاب المحافظ السهلة واليسيرة تختلف عند اختيار رئيس مجلس الوزراء التي نص عليها الدستور العراقي لسنة 2005، حيث يُشترط في البدء انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، ومن ثم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب وبحضور ثلثي أعضاء المجلس، وظهور الثلث المعطل بعد قرار المحكمة الاتحادية بهذا الجانب.
وبعد ذلك يختار رئيس الجمهورية مرشح الكتل الأكبر في مجلس النواب بتشكيل الوزارة.
إن تقاسم المحافظين بشكل مركزي والإصرار على ذلك سوف يثلم من الطابع اللامركزي لتشكيل الدولة العراقية، حيث ناخبو المحافظات هم المعنيون باختيار المحافظ والمناصب المهمة في المحافظة، وان استبعاد بعض المحافظين الذين نالوا أصواتا معتبرة من ناخبيهم، سوف يترك آثارا سلبية على العملية السياسية، وبالتالي يثار تساؤل عن جدوى الذهاب إلى صناديق الانتخاب، إذ يتم اختيار المحافظين في المركز بعيدا عن إرادة ناخبي المحافظة، وإن من غير المناسب تسليم إحدى القوى السياسية لمنصب المحافظ، وهي لم تحصل على مقاعد وأصوات معتبرة، وقد جاء هذا التسليم على أساس صفقة فوقية، تم فيها تقاسم المحافظين خارج إرادة المصوتين في المحافظة.
وان تجربة حصول الصدريين على المركز الأول في الانتخابات وعدم منحهم حق اختيار رئيس مجلس الوزراء، وهم الآن خارج العملية السياسية، مازالت غصة في قلب كل من يسعى لنجاح العملية السياسية عبر التداول السلمي للسلطة، وما إثارته من جزع وإحباط ماثلة أمام الجميع، والتي انعكست في العزوف الكبير عن التصويت في الانتخابات الأخيرة، وهبوط واضح في مستوى المنافسة الانتخابية في العديد من المحافظات.
إن المنطق الديمقراطي يؤكد أن اختيار المحافظين يتم وفق الاستحقاق الانتخابي لكتلة المحافظ في المجلس، وإن غير ذلك هو استخدام تعسفي للعملية الانتخابية واللجوء إلى مسالك ملتوية لمصادرة الإرادة الشعبية، وسينعكس ذلك في الوضع الذي سيضطرب على المحافظة لاحقا، جراء الشعور بالغبن والتهميش والإحباط للقوى التي حصدت الأصوات والمقاعد المعتبرة ولم تحصل على ماتستحقه.