العرب وتوجهات اللعب على الحبلين

آراء 2024/01/17
...

 سعد العبيدي


كشفت حرب غزة، ومواقف حكام الدول العربية منها حقيقة الزيف في تلك المواقف، أو كما يسمى في الأمثال الدارجة اللعب على الحبلين، فغالبهم ملوكٌ ورؤساء يبدون وكأنهم يتمنون في السر تدمير حماس على يد إسرائيل، وإن أدى هذا التدمير إلى تضرر غزة، وأهلها المدنيين والاقتصاد والبيئة، ويصرحون في العلن الوقوف مع الشعب الفلسطيني في محنته، يشجبون خشية أعمال اسرائيل، يعترضون لفظاً على توجهاتها، ويطالبون بخجل وقف الحرب، وكشفت الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا على إسرائيل في محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، أو عززت هذه الدعوى حقيقة لعب الحكام العرب علـى الحبلين، إذ تبيّن أن غالب الاثنتين والعشرين منهم لم يكونوا قادرين أو جريئين على التنسيق في ما بينهم، لاتخاذ الخطوة التي اتخذتها جنوب أفريقيا، ولم يتوجهوا باتجاه جاد لتأييد ومساندة الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا، مع بعض الاستثناءات البسيطة. 

يبدو من هذا التحول في مواقف العرب الذين اعتادوا من قبل الوقوف طرفاً مع الفلسطينيين في ساحة الصراع منذ النكبة عام (1948) قد تغير، باتجاه الخروج من الساحة تماماً، تُرِكَ الفلسطينيون وحدهم في المواجهة، القبول بتوجهات تغيير شكل الصراع من عربي، صهيوني إلى فلسطيني، إسرائيلي. لكن العرب أو بالأحرى حكام العرب يواجهون بخروجهم هذا ضغوطاً من شعوبهم، التي ما زالت تحلم بمشاركة الفلسطينيين محنتهم، وتوجهوا بدلاً من تلبية الرغبات في تقديم الدعم الجاد، والمشاركة إلى الاكتفاء بالمطالبة اللفظية والشجب السياسي عن بعد... سلوك ينم عن سوء تقدير، أو عدم فهم التداعيات الفاعلة لهذه المواقف الضعيفة مستقبلاً، وينم أيضاً عن خوف خفي من دول عظمى، خاصة أمريكا التي تكفلت برعاية إسرائيل ودعمها دون قيود، لم يتحسبوا إلى الأثر النفسي للحرب الدائرة على المشاعر، والأفكار التي ستتكون بالضد من وجودهم وتوجهاتهم باتباع سياسة اللعب على الحبلين.