ميساء الهلالي
هناك وفرة في الإنتاج لصالح منصات إلكترونية مختلفة تتنوع بين المسلسلات والبرامج والأفلام.. وما يصل إلى أكبر عدد من جمهور المتابعين، لتلك المنصات هي المسلسلات ذات المواسم المتعددة، والتي تناقش قضايا مختلفة قد يعتمدها المشاهد المتلقي كأسلوب حياة، بعد أن يمتلئ عقله بثقافات جديدة تحاكي الواقع المعاش... فبعد أن كانت المسلسلات والأفلام تعكس صورة ذهنية مهذبة وتنصر الأبطال الأخيار، فيما يلقى الأشرار حتفهم وينالون جزاءهم العادل في الحياة قبل الممات.. أصبحت منصات الإعلام المرئي اليوم تنصر المجرم، وتظهره كشخص ذكي يمكنه التلاعب بالقانون بشكل منظم محترف، دون أن يكتشف أمره، بل ويتمتع بخلاصة عملياته الناجحة ليعيش رفاهية الحياة، دون حسيب أو رقيب لتظهر الشرطة كجهة فاشلة غير قادرة على مواجهة الجريمة المنظمة، بل وينضم بعض أفراد الشرطة في أغلب الأحيان للصوص باعتبارهم قدوة. هذا ما نشاهده اليوم على المنصات الإلكترونية المعروفة، بل وحتى بعض القنوات الفضائية حيث تقدم الدراما الأجنبية بهذا الشكل ويتابعها الكثيرون بشغف، معجبين بهذا المجرم أو ذاك بل ويتخذونه رمزا.
وبدوري تابعت أحد المسلسلات الذائعة الصيت، التي تختص بجرائم السطو المنظم فقط لأرى حجم العقلية، التي يتمتع بها كتاب المسلسل، وكيف يعملون على تلقين المشاهد الطرق الصحيحة للسطو، أو لارتكاب الجرائم دون أن تتمكن الشرطة من الظفر بهم.. ويظهر المجرم منتصرا على الدوام.. ناهيك عن الرسائل اللا أخلاقية المبطنة التي تبرر الخيانة الزوجية والعلاقات المحرمة والمثلية الجنسية، وغيرها من اللا أخلاقيات، التي لا تتناسب مع أخلاقيات مجتمعنا، وبالتالي تأثرت الأجيال الحالية بكل ما يشاهدونه وصرنا نشهد حالات غير طبيعية للعنف الشارعي والأسري أيضا، وحتى النساء تعلمن العنف وطرق التخلص من الأزواج أو ممارسة العنف ضدهم، وذلك بعد أن تم رصد حالات متعددة للعنف المعكوس من قبل المرأة ضد الرجل. كما طفت للسطح مبررات للسلوكيات اللأخلاقية التي بدأ المجتمع ينظر إليها على أنها اعتيادية ولا تتسم بالغرابة وللأسف، فقد وضع مسمى الحب ليكون درع حماية ضد كل من يعترض على أي سلوكيات لا أخلاقية، بينما لم يكن الحب يوما ليرضى على هذه السلوكيات.
هنا لا بد من التساؤل.. هل هناك من يقف خلف نشر تلك الثقافات الجديدة لإزهاق المجتمع العربي من خلال تسريب نسخ بشعة عن المجتمع وتصويرها بهيئة الأبطال الخارقين.. هل هي جريمة منظمة ضد العالم العربي، لينهار أكثر، فبعد أن أرهقت الحروب شعوبنا العربية كان لا بد من سياسة هدم أخلاقي للمجتمع لتكتب بذلك نهاية شعوب ذات حضارات وتاريخ وثقافات قديمة، نشأت في الوقت الذي كانت دول الغرب ليست سوى أقوام عنيفة متفرقة لا يملكون من التاريخ إلا إسمه ولا من الحضارة إلا مظهرها. وللأسف فغياب الرقابة على المصنفات المرئية من الإعلام والدراما، باتت غائبة وتحتاج إلى إلتفاتة حقيقية لإنقاذ أجيال بأكملها.