سيناريو اغتيالِ قادةِ حماس

آراء 2024/01/17
...

 باقر صاحب

باتتِ الحرب الوحشيّة على غزة  تقترن بالإبادة الجماعيّة، وعلى إثرها، عقدتْ محكمة العدل الدوليَّة مؤخراً جلسة بهذا الخصوص، حيث أقامت دولة جنوب أفريقيا

 في هذه المحكمة، دعوى محاكمة حكومة العدوّ المحتلّ، بجريمة الإبادة الجماعيّة ضدَّ سكّان غزّة، على اعتبار أنّ حكومة الكيان الصهيوني” من أوائل الدول التي وقّعتْ واعترفتْ بالاتفاقيَّة الدوليَّة لمناهضة الإبادة الجماعية التي أُقرّت عام 1949؛ ردّاً على مجازر الإبادة الجماعية في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1949.»

ما يزيد الأمور سوءاً، إنَّ هذه الحرب تخطّتِ المئة يوم، وشعبنا في غزّة بين كمّاشة الجوع والأوضاع الصحيّة المتدهورة والتشريد، وبين الإبادة الجماعيَّة، التي طالتِ الأطفال والنساء والرجال على حدٍّ سواء.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل استطاع  تحقيق العدو أهدافه المعلنة وغير المعلنة، بعد مئة يومٍ من بدء الحرب، وهي بحسب وجهة نظرهم، أهدافٌ تتمثّل بالتأمين الكليّ لحدود الكيان المحتلّ الشمالية، عبر القضاء النهائي على حركة حماس، انتصار حكومة العدوّ، كما ترى، يتمثّل في تحقيق هذا الهدف بشكلٍ رئيس، ومن ثمَّ البحث عن بدائل لإدارة قطّاع غزّة مستقبلاً، بإخضاعه للسلطة الفلسطينيّة، مثلاً. الماكنة الإعلامية للعدوّ المحتلّ تكثر الحديث هذه الأيّام، عن هذا الأمر، أي مستقبل قطاع غزّة سياسيّاً وإداريّاً، لإيهام الرأي العام العالمي، بأنّه على وشك إعلانه النصر القريب. لكنّ الواقع على الأرض، وتحليلات المراقبين وكتّاب الرأي، تقول إن الأمر أبعد من ذلك، فهم يرون أنّه من الصحيح بأن العدوّ الغاصب وجّه ضرباتٍ قويةً إلى حركة حماس، ولكنّها تمّتْ رفقة إبادةٍ شاملةٍ لمواطنين ابرياء، إنّه نصرٌ مزيّف، ذلك الذي تتحدث عنه حكومة العدو، لخلوّه من أيِّ بعدٍ إنساني، ما سبَّب تراجع الدعم الدولي لحكومة نتنياهو. والخشية الكبيرة لهذه الحكومةِ اللاإنسانية، تتمثّل بانّها قد لا  تستطيع المحافظة على الدعم الأميركي اللامحدود إلى النهاية، ولهذا تضع نصب أعينها السيناريو الأميركي المتمثّل في تصفية قادة حماس، الصفّ الأول منهم، الأمر الفاجع ، الذي يضعف حماس وفق وجهتي النظر الأميركيّة والصهيونيّة، ومن ثمَّ  يعمل العدو الهمجي على تخفيف هجوماته الوحشية على غزّة في قسميها الشمالي والجنوبي.

ولكن على حكومة نتنياهو ألاّ تتصور بأنَّ هذا بالأمر اليسير، فهناك جبهتان ستزدادان اشتعالاً: جبهة جنوب لبنان المتمثّلة بحزب الله، وجبهة اليمن المتمثّلة بالحوثيين .        زدْ على ذلك، بأنّ اغتيال بعض قادة  حماس، لا يمثّل اندحاراً كبيراً لحركة حماس، فهناك قادةٌ بدلاءُ دائماً، ولطالما اغتالتِ الحكومات المتعاقبة وسجنت بعضاً منهم، في أوقات السّلم النسبي بين الطرفين. يمكن القول أنَّ حكومة الحرب الصهيونية في ( حيص بيص) لأنها تتجاهل أموراً استراتيجيّةً هي تدركها بقدرٍ أو بآخر، منها إنّ حماس، التي انبثقت عام 1987، ليس من السهولة اقتلاعها والقضاء عليها، باعتبار أنّ  ذلك هدفٌ مُعلن، يرافق تطبيقه على أرض الواقع التبرير الأميركي والصهيوني بأنّها منظمة إرهابيّة، وهم يلصقون هذا التوصيف  بحزب الله اللبناني أيضاً، فهم يتناسون حقيقةً فيزيائيَّة، لها تطبيقاتها السياسية التاريخية عالمياً، وهي إنَّ لكلِّ فعلٍ ردَّ فعلٍ يساويه في القوّة ويعاكسه في الاتجاه، صحيح أنَّ حماس ليس لديها نسبيّاً ما يساوي الترسانة العسكريّة الضّخمة للعدو بفعل الدعم الغربي اللامحدود، بقيادة أميركا، ولكنّ حماس لديها العقيدة، ومن الصعب أن تتنازل  عن حق تقرير المصير الفلسطيني، على أرض فلسطين، ومن ثمَّ أنَّ القضاء الشرس على هذه الحركة، إن جرى افتراضاً على أرض الواقع، يولّد حركاتٍ ارتداديّةً أخرى، تنتقم من كلّ ما سببّته حكومة العدو وحلفاؤها الأميركان والأوروبيون من مآسٍ بسبب هذه الحرب الوحشيّة غير المسبوقة على قطّاعٍ من فلسطين محدودٍ جغرافياً، ممتدٍّ تاريخياً إلى قرونٍ من الزمن، وكما كلّ شعب فلسطين، فإنهم مؤمنون بحقِّ تقرير المصير، وإن طال الزمن.