عباس رضا الموسوي.. اطلالة على قصائده

ثقافة شعبية 2024/01/18
...

 سعد صاحب

ما عادت القصيدة مشغولة بالترف الفكري والابهام والتشفير والمعميات والطلاسم، بل نزلت الى الشارع لتلتقط الشرارة، من معاناة الناس العاديين، وتكون فكرتها الاساسية: البطالة والاحتكار والاستهلاك والزواج والطلاق وصالات القمار، ومضاربات السوق وصعود الدولار والثراء الفاحش السريع، والادمان على المخدرات وانتشار الجريمة والسمسرة.
وتزوير الحقائق وسيطرة الطواغيت والقتل المجاني والامتلاك المريب للامـــوال والعقــارات والمبــــاني،
والبذخ الاقتصادي عند الطبقات الطفيلية الجديدة، والعوز المادي عند الفقراء، المحشورين بغرف ضيقة مثل القبور، وهم يعانون من صعوبة الحصول على الرغيف.( جانت الدنيا حصار/ الشعب ما عنده كروه/ قجق يركب بالقطار/ الكاع غطاها الملح مامش خضار/ وباختصار/ المطاعم حللت لحم الحمار/ الجار ما يعرف الجار/ الحرمنه وضح
النهار ).

حياة عاطلة
قصائد ثيمتها المحورية استذكار ما فات، والتطلع الى القادم، وهي اشبه ما تكون بالسيرة الذاتية المقتضبة، لشخص عانى الكثير من المطبات في عالم منخور، وحياة عاطلة تتوزع ايامها ما بين قبضة السجان المحكمة، وبين التكرار والبلادة والبشاعة والشعارات الزائفة والانفعالات المدمرة. وبين دائرة السجن المحددة مفرداتها بالعقوبات والسياط وشكل الجلاد الكريه،
والتعداد الصباحي والأكل الشحيح ودخان السجائر والروائح القبيحة، والمكان المختنق بالانفاس والشجارات والموت والقيح والثرثره.(ممنوعين من الحب/ ومن الفـرحـه ممنوعين
/ مـــن كلمــة حـق نهمـس بيــهـه/ نواســـي النـــاس المنـكـوبـيــن/ مـن الكــد وخبـز الديــن/ من الضحكـه
ومن الدمعه والمـا بين/ حزنانه النخله اعلى الشاطي/ ما كعدوا عشاك ابفيهه من اسنين/ حبسونه بزنزانه وكالوا/ ممنوع الاه والتدخين ).
أضواء كاشفة
ارواح مكسورة تئن تحت اسوار القلاع الصلدة، ذات الابراج العالية والاسلاك الشائكة، والاضواء الكاشفة والحرس المدججين بالبنادق، والدروب المقفلة بالثلوج والامطار وقطاع الطرق، والمهربين ودوريات الشرطة والادلاء والحيوانات المفترسة والبرابرة والرعاع، ورغم الفظاعة لم تفقد هذه الكائنات الاصيلة جمالها الآسر المعهود.( حلوين احنه الممنوعين/ حلوين احنه بطعم التين/ احله امن السباح الغافي اعلى الصوبين/ يالماتدري شكد حلوين/ احنه الشعب الشد بطنه من الجوع/ وقاوم حفنه اسنين ).

 مواصلة المشوار
الموسوي شاعر صادق الاحاسيس، سواء كانت سياسية او اجتماعية او عاطفية او نفسية، او غريبة التركيب او بدائية الوسائل، هو كثير التعب والمعاناة والارهاق، والتفكير المعقد بمواصلة المشوار او التوقف عن الحلم المخملي البديع، او الاعتماد على السليقة حتى في القضايا المصيرية المهمة.( حلوين وما همنه الكالوا مو حلوين/ اشما كالوا ما ممكن قط/ الحاجب ينزل حدر العين/ لو غبنه البلبل ميغني/ والليل ايمد طوله اسنين/ ويسكر من حزنه النعناع/ والدفله اتخضر هروين ).

مسرح الحياة
الممنوعون من الظهور على مسرح الحياة لاسباب كثيرة، واهمها امتلاكهم الحقيقة المطلقة بالكامل، المختفون في السجون وسواتر الحروب واقفاص الأسر والظلمات والمنافي البعيدة، المدفونون في السراديب والكهوف والشقوق المخيفة والاماكن المغلقة، هؤلاء الرائعون حينما يعودون من رحلة الغياب المضنية، تشع في قدومهم المصابيح  والشموع والمشاعل والفوانيس، وصبايا الحي يستقبلن المركبات القادمة بالزغاريد والزهور والاغاني، وينثرن فوق رؤوس القادمين الحلوى، لان جمالهم لا يضاهى سواء كانوا احياء او اموات.( ولو هلينه اتهل الدنيه/ والكون يردد حلوين/ ابنيات الحي يتلكنه اثنين اثنين/ حلوين احنه وحسن البينه ترس
العين ).

روح الجمال
محاصرون في المدينة المستلبة، لكنهم يرون روح الجمال تتجلى حتى في الخراب، يرحلون في الخيال الى غابات الآس والبنفسج والخزامى والياسمين، محتارون بين تلبية الواجب، وبين النوم في مخادع النساء الجميلات، وبين العدم والفناء والزوال، وبين البقاء على قيد الجنون.( حلوين ويالكمر انروح/ صوب الغابات المظفوره بقمر الدين/ ومن نتعب تاخذنه النسمه بجف الراحه/ وترحل بينه مدري
الوين ).