محمد شريف أبو ميسم
كنّا قد أشرنا في مقالات عدّة سابقة، إلى حقيقة مفادها أن لا وجود للمصارف المتخصصة في نظام اقتصاد السوق الرأسمالي، لأنَّ هذا النظام يعطي مساحة أكبر للرساميل الخاصة في إدارة شؤون الحياة مروراً بمرحلة خصخصة وظائف الدولة ووصولاً إلى استبدال سلطة الدولة بسلطة رأس المال، وهو الهدف الأساس الذي تصبو له الليبرالية الجديدة بدعوى الحرية والملكية المطلقة في ظل مسؤولية غير ملزمة، والغاية هنا سياسية صرفة ولسنا بصدد الخوض فيها.
بينما نجد مثل هذه المصارف بوصفها مؤسسات دولة في نظام اقتصاد السوق الاجتماعي، إذ تحرص مثل هذه الدول على إدامة الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والإبقاء على الشركات المالية الداعمة لها في إطار ملكية الدولة لضمان تلبية الحد الأدنى من الطلب المحلي على السلع الأساسية وفي مقدمتها المواد الغذائية، وبالتالي ضمان مقومات السيادة في ظل مفهوم الأمن الغذائي الذي بات سلاحاً في محاصرة وتركيع الشعوب جرّاء هيمنة شركات العولمة على الاقتصاد العالمي. ففي ألمانيا مثلاً، يقدم بنك التنمية الألماني المملوك للدولة نحو 90 % من إجمالي الإقراض لهذه المشاريع في ظلّ اقتصاديات حرة وتشابكات تجارية واقتصادية دولية تقودها الرساميل الخاصة، وفي الولايات المتحدة تقوم إدارة الأعمال الصغيرة الأميركية (SBA) وهي وكالة حكومية بتقديم الدعم للمشاريع والشركات الصغيرة، تحت شعار "الحفاظ على اقتصاد الأمة وتقويته".
وعلى هذا، حاولنا لفت نظر صنّاع القرار إلى هذا الملف الحيوي، منذ أن تم تشريع قانون صندوق الإقراض الزراعي الميسر رقم 28 لسنة 2009 المعدل ليكون بديلاً عن المصرف الزراعي التعاوني، ومن ثم قانون صندوق الإسكان رقم 32 لسنة 2011 ليكون بديلاً عن المصرف العقاري، وهكذا مروراً بالمبادرات المعنية بتقديم قروض للقطاع الصناعي لتكون بديلاً عن المصرف الصناعي.
وقلنا عوضاً عن هذا، يتم دمج هذه المصارف مع الصناديق والمبادرات في هيئة تنموية واحدة تكون مستقلة، ومستثناة من الخصخصة التي تؤسس لها شروط الإصلاح الاقتصادي، وهو حق حكومي يمكن أن يدعمه تشريع يلزم الحكومات المتعاقبة بمنع خصخصتها، بدلاً من دمج هذه المصارف في مصرف تجاري واحد يمارس الصيرفة الشاملة.
وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف في هذا التوجه، فإنَّ خيارنا الوحيد في هذه المرحلة، أن نستثمر إمكانيات الدولة ونؤسس لهيئة تنموية مستقلة تضم كلَّ الصناديق والمبادرات التي تقدم قروضاً مدعومة، بهدف ضمان دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي لمواجهة الظروف الاستثنائية، عبر دعم هذه الهيئة بالمال والخبرات والموجودات ونحن بصدد دمج هذه المصارف، بمعنى نقل جزء من ملكيتها وكوادرها المتخصصة لهذه الهيئة.