{الذهب الأحمر»..مغربيات يدفعن ثمنها غالياً

اسرة ومجتمع 2019/05/21
...

آني كيلي
ترجمة: ليندا أدور
في شهر نيسان من العام الماضي، ودعت سميرة أحمد طفلها الصغير بقبلة وغادرت منزلها بعد أن استقلت حافلة توجهت بها الى جنوبي اسبانيا، حيث ستعمل في حقول الفراولة هناك. حملت في حقيبتها تأشيرة الدخول الاسبانية وعقد عمل يعدها بالحصول على 40 يورو (أي ما يقارب 45 دولاراً) لليوم الواحد زائداً الطعام والاقامة.
خلال الثلاثة أشهر التي ستقضيها بعيدة، كان سميرة تأمل بأن ألم الفراق عن عائلتها ستخففه النقود التي سترسلها لهم، والتي تعدها ثروة مقارنة بما  كانت تكسبه في وطنها المغرب. لكن بعد مرور عام، انقلبت حياة سميرة، بعد أن اصبحت معدمة ومطلقة، تعيش طوال الأشهر العشرة الاخيرة متخفية، تأكل ما تحصل عليه من إعانات مع تسع نساء مغربيات أخريات، مثل حالتها، يدعين بتعرضهن للاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي والاستغلال في المزرعة حيث يعملن، تقول سميرة بأن الخطأ الأكبر الذي اقترفته، غير مجيئها الى اسبانيا، كان ذهابها الى السلطات. “في وطني، كان الجميع ينظر الي كبطلة، لم يحظ أي من أبناء قريتي بفرصة السفر للعمل في بلد غني كإسبانيا” تقول سميرة مضيفة “لكن يبدو بأنه أسوأ قرار كنت قد اتخذته في حياتي”. 
 
نظام جائر
في غضون الأسابيع المقبلة، يقدر وصول 20 ألف امرأة مغربية الى اسبانيا، للمساعدة في حصاد محصول الفراولة لهذا العام، حيث تشكل النساء الغالبية من القوى العاملة الموسمية في بلاد الأندلس، واللواتي يعملن بموجب نظام تأشيرة عمل موسمية أقرتها الحكومتان الاسبانية والمغربية العام 2001، فضلاً عن مشاركتهن بزراعة وجني 400 ألف طن من  الفراولة المتوقع تصديرها لمتاجر في المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا. حتى الآن، تعد اسبانيا هي المصدّر الأكبر للفراولة في أوروبا، وتحظى هذه الصناعة التصديرية المزدهرة، التي قد تصل قيمتها الى 580 مليون يورو (أي ما يعادل أكثر من 650 مليون دولار)، بأهمية بالغة في الاقتصاد الاسباني الهش، فبات يطلق عليها “الذهب الأحمر” للبلاد.
كشفت تقارير، نشرت على مدى السنوات القليلة الماضية، بوسائل اعلام محلية وعالمية، عن انتشار سوء المعاملة الجنسية والبدنية والاستغلال للعاملات المغربيات. لكن حكومتي البلدين قللتا من شأن تلك الادعاءات، نافيتين انتشار هكذا مشاكل. تقول أليشيا نافاسكوز، وهي ناشطة حقوقية، ان استهداف المغربيات يتم عمدا بسبب ضعفهن. “وصفت النسوة المغربيات العاملات في المزرعة ظروف العمل اللاإنسانية والقاسية التي يجب عليهن تحملها، حيث تضطرهن وظائفهن للعمل بوضع جاثم على الدوام، ومدة الاستراحة التي يحصلن عليها لا تتعدى 30 دقيقة في اليوم، تحت درجات حرارة تقارب الـ 40 مئوية داخل البيوت البلاستيكية. تقول نافاسكوز: “في المغرب، يبحثون عن النساء المستضعفات وممن يرضين بأجر قليل لأداء هذا العمل، وتحديدا، من الريفيات اللواتي لديهن أطفال صغار ويتحدثن العربية فقط، ولا يمكنهن فهم عقود العمل المكتوبة بالاسبانية أو المطالبة بحقوقهن، انه نظام جائر”.
 
حاويات شحن
تقول احمد بأنها سمعت شائعات عن ما حدث لنساء ذهبن الى اسبانيا قبلها، “لكني تجاهلتها، لم اكن اعتقد بان قصصا كهذه يمكن ان تكون حقيقية وفي بلاد غنية كاسبانيا”. ادعت تلك النسوة بأنهن أرغمن على العيش داخل حاويات شحن قذرة وضيقة، حيث المئات من العاملات يتشاركن عدد قليل من حمامات ومرافق صحية متهالكة. خلال النهار، كن عرضة للاعتداء العنصري ويجبرن على العمل بمناوبات لمدة 12 ساعة دون أجر، فضلا عن حرمانهن من الطعام والماء لذهابهن للمرحاض اثناء المناوبة او عدم بذلهن جهدا كافيا.
 “كانت المزرعة بعيدة عن أقرب مدينة، كنا في عزلة تامة، ولا نجيد الاسبانية، كنا حتى عاجزات وكنا نستميت لارسال المال الى أطفالنا بأي طريقة. وقالت النساء اللائي عملن قبلنا في المزرعة وذهبن قبلنا الى هناك، بأننا نجد الأمور صعبة في البداية لكننا سنعتاد على ذلك” تقول سميرة. زعمت النساء بأنهن تعرضن للتحرش والاعتداء الجنسيين، وبعضهن للاغتصاب واخريات للضغط لممارسات غير أخلاقية مقابل حصولهن على الطعام والماء، حتى ان بعضهن أجبرن على العمل كعاهرات كل ليلة لاشخاص ينتظروهن بسياراتهم خارج المزرعة.
عند وصولها الى اسبانيا في نيسان من العام 2018، كانت عائشة جابر، التي تعمل بذات المزرعة التي تعمل بها سميرة، حبلى، “شاهدت اعلان عن وظائف يبحثون فيه عن نساء تتراوح أعمارهن بين 20-45 عاما للعمل لبضعة أشهر في المزرعة” تقول جابر مضيفة، “فسألت ان كان بإمكان زوجي الحصول على عمل هو الآخر، لكن اخبروني انهم يريدون نساء فقط، والآن أدركت انهم أرادوا ذلك لأنهم يمكنهم استغلالنا بسهولة”. تقول جابر بأنه حال وصولها الى المزرعة، تعرضت للتحرش والاعتداء الجنسي، وتدخل نساء أخريات كان السبب في الحيلولة دون تعرضها للاغتصاب، “كان سوء المعاملة هذا بحكم الموت بالنسبة الينا، لحق بنا العار، فكنا نشعر بالغضب الشديد والخوف الشديد ايضا من ان تكتشف عائلاتنا أمرنا”، والحديث لجابر.
 
أرجوكن لا تأتين
بعد مرور نحو ستة اسابيع، لجأت عائشة وسميرة وثمان أخريات الى الشرطة ليبلغن عن تعرضهن للاستغلال والاغتصاب والاعتداء الجنسي، تقول سميرة “اعتقدنا ان العدالة ستتحقق، ونحصل على أجورنا، ويتوقف الاعتداء علينا، لكن تخلوا عنا وتركونا للجوع”. 
ان المحاكم في اسبانيا أعاقت الاجراءات وفشلت في اجراء تحقيق سليم، بل حوّلت معظم تهم الاغتصاب والاعتداء الجنسي لمجرد تحرش جنسي، مبررة ذلك بنقص  الأدلة.  تقول بيلين”كان من المفترض ان تمنح موكلاتي الحماية والدعم كونهن ضحايا محتملات للإتجار بالبشر، لكن نظامنا القضائي عاملهن بإزدراء وتجاهل”.
تقول سميرة وعائشة، اللتان بدأتا تفقدان الأمل بتحقيق العدل الذي تستحقانه، حسب تعبيرهما، مشيرتين الى ان تجربتيهما بحقول الفراولة باسبانيا قد غيرتهما الى الأبد، “سابقا، لم أكن املك الكثير، والآن فقدت كل شيء، وأقول للقادمات الآن، أرجوكن لا تأتين، فإن حدثت لكن أمورا سيئة، لن يساعدكن احد، عدن الى بلادكن وعوائلكن” والكلام لسميرة. 
 
*صحيفة الغارديان البريطانية