ميسان تستدعي الأمل

آراء 2024/01/22
...








 عبد الأمير المجر

كنت في محافظة ميسان يومي 14 و15-1-2024 لغرض استصدار البطاقة الوطنية الموحدة.. زيارتي هذه جاءت بعد انقطاع استمر لأكثر من خمس سنين، حيث كنت هناك أواخر العام 2018 لحضور فعاليات مهرجان الكميت الثقافي.. وعلى عادتي حين اكون في ميسان، لا بد لي من زيارة اكثر من مكان فيها لأطفئ نار شوقي الذي لم يهدأ على الرغم من انتقالي للعيش في بغداد منذ نحو خمسين عاما، لم ننقل خلالها سجل نفوسنا، وكان هذا من بين أسباب زياراتي المتكررة للمحافظة التي عشت فيها أجمل أيام العمر، حيث براءة الطفولة والصبا وأيام الدراسة الأولى واللعب على عشب شطآن الشطوط، التي تحتضن طيبة أهل ميسان العزيزة.. لقد عدت من هذه الزيارة وأنا واثق من إمكانية نهوض العراق من جديد، إذا ما توفرت الإرادة لذلك، ولعل ما شاهدته هناك أكد لي هذه الحقيقة.
لقد تغيرت مدينة العمارة كثيرا عما كانت عليه سابقا، وباتت بأسواقها الحديثة والعامرة بالبضائع المختلفة، وشوارعها التي تضج بالحيوية ومشاريع الإعمار قيد الإنشاء، كما لو أنها مدينة أخرى وستصبح في المستقبل القريب أكثر جمالا وحداثة، لاسيما أنها بموقعها على ثلاثة أنهر مرشحة، لتكون واحدة من أجمل مدن العراق.. الأمر نفسه ينطبق على مدينة المجر الكبير، ثاني اكبر مدن المحافظة والتي شهدت بدورها نهضة عمرانية غيّرت الكثير من واقعها وأعطتها صورة مختلفة عما كانت عليه.. وحين ذهبت إلى ناحية العدل التي أكملت في مدرستها الشهيرة (الإرشاد الريفية) دراستي للصف الأول المتوسط، ادهشني الشارع الذي يربطها بالمجر الكبير والذي قيل لي انه تم تطويره حديثا، لقد وجدته بخطين ذهابا وايابا، جميلًا ومتينا ومخططا، وتفتقر لمثله الكثير من شوارع العاصمة بغداد!.. لكن الذي لفت انتباهي أكثر من أي شيء آخر، هو غياب مظاهر الفقر التي كانت تنغص عليّ زياراتي للمجر الكبير، والتي تتمثل بكثرة البسطات وفوضى السوق، في المدينة التي يقدر سكانها بثلاثمئة الف نسمة، ويعد من الأسواق الحيوية والكبيرة، اذ بدا أكثر تنظيما وسعة مع انه يحتاج إلى المزيد ليواكب التطور الذي تشهده المدينة.
لا شك أن هناك ملاحظات جوهرية يتكرر ذكرها باستمرار، منها أن المصانع الكبرى في ميسان ما زالت معطلة مثل مصنع سكر القصب ومعمل الورق في المجر الكبير، وأيضا لم تشهد المحافظة إنشاء مصانع أخرى، ولعل هذه من الأمور التي تقع ضمن صلاحيات العاصمة ووزاراتها المختصة... إذ لا بد من إقامة مصانع جديدة ولو للمواد الغذائية والمرطبات والمنتوجات الصغيرة الاستهلاكية لتشغيل العاطلين، فالسوق حاليا لا تستوعب جميع مخرجات التعليم الجامعي وغيره هناك، لاسيما أن المحافظة باتت منفتحة على الجديد بمختلف أشكاله، والأسواق (المولات) تشير إلى وفرة في المعروضات يقابلها بالتأكيد طلب متزايد، وهذه العجلة لا تستمر بالدوران من دون سيولة مستمرة، تحققه سوق عمل نشيطة، وأن تعطيل الطاقات الشابة يمثل عقبة حقيقية ومزدوجة السلبية، وهو ما لمسته من أحد الشباب الذي قال لي انه تخرج منذ أعوام وما زال يبحث عن عمل.
شيء آخر مهم أيضا هو أن قرار وزارة الداخلية الأخير المتمثل بالتعامل مع البطاقة الوطنية حصرا بعد الأول من آذار القادم، تسبب في زحام كبير جدا على دائرة النفوس، وجعل عمل المنتسبين الذين يبذلون جهودا كبيرة على مدار اليوم وبالتناوب، مرهقا للغاية، وهذا ما لمسته وعانيت منه أيضا! لا سيما أن عملهم دقيق جدا وتفاصيله كثيرة تستغرق وقتا لكل حالة.
ما يدعو إلى إعطاء المزيد من الوقت قبل العمل الحصري بالبطاقة الموحدة بالموعد المذكور، لتلافي الزحام وتنظيم عملية الاستصدار على شكل وجبات، لأنه في كل الاحوال لا يمكن للمنتسبين إنهاء عملهم بالكامل في الوقت المحدد من قبل الوزارة.