تبادل الأدوار

ولد وبنت 2024/01/22
...

عواطف مدلول

كان سابقا الأمر البديهي في الحياة كلما تقدم الإنسان بالعمر اصبح يمتلك خبرة وتجربة اوسع فيها، ذلك ما يجعله معلما ومرشدا للاجيال التي تأتي بعده تقتدي به، وتأخذ بنصائحه في كثير من القضايا وبالذات التي تخص العمل، حيث يمكن الرجوع له واستشارته بكل صغيرة وكبيرة، مع أنه ليس ضروريا أن نرى دائما الاكبر سنا يتمتع بقابلية العطاء ويتقن دور الساند الداعم للاخرين خصوصا للاصغر منه، وبكل الأحوال قد لا يكون ايضا مقياسا للأفضلية والدراية والفهم.
بعد عملية التغيير التي حصلت على مر الزمن متاثرة بالتطور العظيم في العالم، تلك القاعدة لم تعد موجودة الا ما ندر حيث انقلبت وصارت تعمل بالعكس احيانا، فقد فسح المجال أمام الشباب واليافعين لينالوا الفرص بالتعلم والاطلاع على كل ما هو حديث، لا سيما وقد اتيحت لهم بوفرة عالية، فأحدث هذا الشيء نقلة كبيرة لهم بمستوى الوعي جراء الازدهار العصري بالتكنولوجيا وانعكاساته الايجابية على مختلف القطاعات، فشكل لهم فوارق ملحوظة مع من سبقهم، الذين وقف بعضهم عاجزا تجاهه لجهله بتفاصيله، منبهرا بالثورة الهائلة بالنمو العقلي المتصاعد، وهناك من اختار البقاء كمتفرج حتى بات يعيش وكأنه بعزلة عما يجري من حوله، والغالبية اكتفت بتسجيل خطوات بطيئة جدا لا تتناسب مع الانماط الحديثة السريعة المتبعة الآن بكل مفاصل الكون، والتي من الصعوبة اللحاق بها بالنسبة لهم، لذلك انفرد الشباب بوضوح في
الساحة بلا منافس، مستثمرين كل السبل التي تهيأت لهم للتميز، فتزايدت المواهب وتفجرت كما ان الافكار والفعاليات اضحت اكثر حيوية ونشاطا عن الماضي.
لذا لا يعتبر تبادل الادوار انتقاصا للخبرات القديمة أو تقليلا لقدراتها، فالواقع الحالي يتطلب طرق أبواب الطاقات الشبابية للاستعانة بها، لغرض التعلم والاستفادة من مهاراتها في ادارة التقنيات والمعلومات، والتي كوّنت لديها رصيدا وخزينا جيدا من الثقافة المعرفية بها، يمكن الاعتماد عليها حاليا لمواكبة التجدد والانطلاق نحو الابتكار، وقد ساعدتها كمحفز ودافع لاثبات الذات والحضور الدائم وتحقيق الانجازات بكل جدارة وثقة.
فبالرغم من انتشار الظواهر السلبية بمجتمعنا في السنوات الاخيرة، والتي تشكل الجانب المظلم للانفتاح ما تسبب في اغلاق منافذ كثيرة أمام تلك الاجيال المضيئة، جراء إشاعة شتى انواع الفساد كجرائم الرشوة والمخدرات والكحول والمحتوى الهابط وغيرها من السلوكيات السيئة، إلا أنه بالمقابل برز النوابغ والاذكياء والمبدعين الذين أخذوا على عاتقهم مهمة بناء وطن متحضر، وصنع مستقبل أكثر إشراقا له من خلال تطلعاتهم وأحلامهم التي تسير بجدية أكبر وبخطط وأفعال مدروسة، فنجحوا بتحمل زمام المبادرة والقيادة بدون خوف وتردد، وصاروا يمثلون الوجه الحقيقي للبلد.