الفتيات وتقليد الأمهات

ولد وبنت 2024/01/22
...

 سرور العلي

اعتادت سالي حسام (15 عاماً)، الجلوس أمام المرآة وتزيين وجهها بأدوات التجميل الخاصة بوالدتها، في حين تشعر الأم بالضيق وتقوم بمنعها عدة مرات، باعتبارها ما زالت صغيرة على تلك المستحضرات.
وترى الموظفة زينب علي أن الفتيات لديهن رغبة كبيرة بتقليد الآخريات الأكبر منهن سناً، كأمهاتهن وشقيقاتهن، فيحاولن وضع المكياج كما يفعلن أو يرتدين الثياب والأكسسوارات، التي لا تناسب أعمارهن.
مضيفة "كما أن ظهور "اليوتيوبرية" أو ما يسمى بـ "الفانوشيستات"، في منصات التواصل الاجتماعي زاد من تفاقم الأمر، إذ يقومن بتقديم جميع خطوات وضع هذه المساحيق، بحرفية عالية واتقان، ما يدفع بالصغيرات إلى حب التجربة والتقليد، برغم من أن تلك المواد تؤثر في بشرتهن، وتسبب لهن الإرهاق المبكر وظهور الحبوب والتجاعيد، واختفاء براءتهن خلف قناع المكياج، كما أن للدعاية والإعلان دورا بانتشار تلك المساحيق، وتعلق بعض الفتيات بالنجمات والمشاهير، وتقليد مظهرهن وحياتهن اليومية، والاقتداء بهن من دون مراعاة الفارق العمري، والمبادئ والعادات الموجودة في كل مجتمع".
تقول علياء أحمد (أم لثلاث فتيات)، إن بناتها لديهن شغف بوضع تلك المستحضرات، على الرغم من سنهن الصغيرة، فهن يستخدمنها بدقة وبراعة، وتتذكر أن في السنوات السابقة كانت الفتيات يشعرن بالخجل من
وضع هذه المواد على وجوههن، ويقتصر الأمر عند التحاقهن بالجامعة، أو حين دخول عش الزوجية، أما اليوم فالأمر بات متاحاً، فهناك من يظهرن
في وسائل التواصل وعلى أرض
الواقع، بكامل زينتهن من دون تردد أو إحراج.
ولفتت سارة عماد (طالبة في مرحلة الثانوية)، إلى أن الكثير من صديقاتها يقومن بوضع هذه المساحيق في الخفاء، أو أثناء الخروج من المدرسة، أما هي فتفضل أن يكون وجهها طبيعياً وبريئاً من دون مستحضرات، وأشارت زميلتها زهراء حسن إلى أن وضعها للمكياج يعد جزءًا من شعورها باكتمال أنوثتها، وبأنها فتاة كبيرة ومستقلة، وتعزيز ثقتها بنفسها وتقدير ذاتها.
وتؤكد الطالبة الجامعية نور حسين أنه من الضروري أن يقومن الأمهات باستيعاب بناتهن، ويفهمن ما يمرن به من تغيرات واحتياجات جسدية ونفسية، من دون غضب أو استخدام أساليب العقاب، إذ إن ذلك من شأنه تدمير نفسية الفتاة، ودفعها للقيام بسلوكيات خاطئة تثير المشكلات والعداء، كذلك على الأم الابتعاد عن مقارنة ابنتها بالفتيات الآخريات، وبالعكس عليها دعمها لتقبل مظهرها كما هو.
وتابعت حديثها "إضافة إلى أن مفهوم الجمال قد يرى من قبل بعض الفتيات بشكل خاطئ، عن طريق وضع الميك آب وارتداء الثياب المثيرة، في حين أنه يرتبط بشكل حقيقي بالعادات الغذائية الجيدة، والنوم الكافي، وممارسة الرياضة، والتمتع بالصحة والتربية السليمة، والوعي والتثقيف، وهي أمور تجهلها الكثيرات اليوم".
الدكتور عبد الكريم خليفة، باحث نفسي واجتماعي بين:"عندما طرح العالم ماسلو الحاجات أو ما يسمى بهرم ماسلو، وضع الحاجة الكمالية في التسلسل الثاني من قمة هذا الهرم، ونقصد بهذه المرحلة هي البحث عن ملامح الجمال والنظافة والديكور وغيرها من الأمور، وهذه تزداد حدة وتستفحل عند الفتاة المراهقة، كون تلك المرحلة العمرية يحدث فيها اضطراب الهوية والبحث عنها، وبطريقة ما تبحث عنها باستخدام المكياج وبعض مواد الزينة، وبالتالي تبحث عن تحقيق هذه الحاجة، إضافة إلى ذلك أنه في بداية اكتشاف الفتاة لجسدها، وبعض التغيير في ملامحها، تحاول بقدر الامكان الانتقال من هذه المرحلة الحرجة إلى النضج، بطريقة نظرية وليست عملية، فتستخدم المكياج، وكأنه دليل على نموها ونضجها، والسبب الآخر والمهم، هو بسبب الاضطهاد الأسري أو التشوهات وحب الشباب والبثور، فتحاول الفتاة تغطيتها، ومنها للفت انتباه الآخرين، لا سيما الشباب فتضع المكياج، وكأنها تقول:"أنا موجودة"، والأمر الآخر متعلق في النمذجة، ففي بعض الأحيان كثير من الأمهات يستخدمن المكياج، فتقوم الفتاة المراهقة بتقليدها ومحاكاتها، وقد تصل الأم إلى استخدام المكياج بطريقة بشعة".
وأضاف خليفة "العلاج لهذه الحالات أو الظاهرة، لأن استخدام المكياج في بعض الأحيان يصل إلى حد الافراط والهوس، ما يؤدي إلى ترك الأمور الدراسية وغيرها، لذلك يفترض التعامل مع الفتاة المراهقة بطريقة أخرى، لأن كثيرًا من الأسر تتعامل معها بأنها حالة خطرة وحرجة، ووجودها يصبح غريبًا داخل الأسرة، لذلك من الضروري بناء الثقة لديها، وزيادة قيمتها وتنمية بعض الهوايات والرغبات داخلها، لتنجز أشياءً مفيدة ونافعة، كتعليمها الطبخ وتشجيعها على ذلك، أو الاهتمام بالزهور وزراعتها، أو غيرها من المهارات لتقلل من اهتمامها بالمكياج".