العجز الافتراضي

اقتصادية 2024/01/22
...

وليد خالد الزيدي

منذ أن وضع مشروع الموازنة الثلاثية للبلاد، كانت التوقعات السائدة تشير إلى صعوبة المضي بتلك الخطوة التي سارت بها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل عام تقريبا أو نجاحها، والسبب في ذلك هو المخاوف من التقلبات المحتملة في أسعار سوق النفط العالمية، بعد أن جرى تحديد متوسط سعر البرميل الواحد من النفط العرقي المصدر بـ(70) دولارا في تلك الموازنة، وكذلك حددت عجزا ماليا افتراضيا قدربـ(62) مليار دولار، لكن مع نهاية العام (2023) تنفس الاقتصاد العراقي الصعداء وتوقعت الأوساط الاقتصادية المحلية والعالمية أن قيمة العجز الافتراضي ستتلاشى أو تنخفض إلى حد كبير بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال معظم أشهر تلك السنة، حتى بلغ معدله خلال النصف الثاني من العام المذكور (85) دولارا تقريبا، وبزيادة تقريبية بلغت (15) دولارا فوق سعره المحدد لتلك الموازنة، فضلا عن زيادة معدلات أسعارها أيضا خلال الأشهر التي سبقتها، الأمر الذي أحدث وفرة مالية كبيرة من العائدات النفطية في مؤشرات تلك الموازنة.
هناك عدة عوامل رافقت تلك المؤشرات الإيجابية، أولها ظهور التوازن والانضباط المالي خلال السنة الحالية، من خلال إعادة مبالغ كبيرة من الأموال المسروقة، وهذا الأمر قلل من الإقدام على السرقات والسطو على المال العام، كما أن إجراءات الحكومة بالملاحقات القانونية والقضائية لبعض رؤوس الفساد المالي في البلاد، كان لها دور كبير في تلك المسألة، وثانيها التخطيط المالي لموازنات السنوات الثلاث، والمرونة والكفاءة العاليتان في اعتماد الصرف على المشاريع ذات الأولوية الستراتيجية التي يمكن أن تشكل نقلة نوعية في مستقبل التنمية في العراق خلال السنوات المقبلة، وتحديدا الصناعات التحويلية والاستثمار في الموارد الطبيعية كالغاز، وعدم إغفال الحاجات الملحة لتنفيذ المشاريع الخدمية المرتبطة بحياة المواطنين، كنفقات الرعاية الاجتماعية وزيادة تخصيصاتها متمثلة بالإعانات الشهرية، وزيادة أموال السلة الغذائية ومخصصات السلة الدوائية التي تحظى بأولوية قصوى في الاستدامة والكفاءة، لكي تدعم الأسر منخفضة الدخل، الأمر الذي يشجع على الاستقرار المعيشي لملايين العراقيين ويخفف عنهم وطأة الظروف الاقتصادية وتقلباتها، أما الأمر الثالث فهو تسديد مستحقات الديون بمواعيدها المحددة ووفق جداول مدفوعاتها بدقة من أموال وتخصيصات الموازنة العامة التي تغطي هذا الجانب الإنفاقي المهم.
التراكمات المالية من صعود السعر الافتراضي لبرميل النفط العراقي المباع، أسهمت إلى حد بعيد في حملة الإعمار المتسارعة التي أشرف عليها رئيس الوزراء بنفسه ومجموعة مستشارين، وهو أيضا جانب مهم في انخفاض العجز الافتراضي أو تلاشيه بشكل نهائي واتساع مساحة التوقعات بزيادة الأموال المخصصة لموازنة العامين (2024) و(2025)، وهذا الأمر يفتح أمام الحكومة الطريق بأوسع الأبواب لتوجيه هذا الفائض نحو الموازنة الاستثمارية التي لم تكن تتوقع أن تحصل على تمويلات مريحة للنهوض بالاقتصاد، وتنويع مصادر الإنتاج وجعله رافدا حقيقيا لها، ولتنفيذ المشاريع الستراتيجية المقبلة في البلاد.