رسائل الأحداث الأخيرة في النجف

آراء 2019/05/21
...

عبد الحليم الرهيمي
 

كانت الأحداث التي وقعت يومي الأربعاء والخميس من الأسبوع المنصرم ، أحداثاً مؤلمة ومحزنة وخطيرة في آن واحد ، وذلك بعد ان اندلعت فيها تظاهرات شعبية وسلمية تطالب بمحاسبة الفاسدين وبما نجم عنها تالياً من تداعيات تمثلت بأعمال عنف وقتل وتخريب وأخلال مروع بأمن المواطنين وسقوط ضحاياً وجرحى منهم 

هذه التظاهرات السلمية المحقة والمشروعة التي ترتقي هدفها المعلن بمحاربة الفاسدين ومحاسبتهم الى مستوى الواجب الوطني والأخلاقي الذي يعبر عما يختلج في صدور غالبية العراقيين ، لكنه لا يبرر بالتأكيد وبكل المقاييس ما أسفر عن تلك التظاهرات في النهاية من اعمال عنف وتخريب وقتل وما ترتب على ذلك من تداعيات أظهرت عجز الجهات المعنية عن حفظ أمن المواطنين والمدينة ، وبما كشفته من حدة صراع مخفي ومعلن بين مجلس المحافظة والاجهزة الامنية لاسيما مدير الشرطة والتراشق بالاتهامات المتبادلة فيما بينهم . وليس من شك ان التحقيقات التي اعلن عن أجرائها لمعرفة المسؤولين عن حرف التظاهرة من سلميتها الى العنف والتخريب وبكل التداعيات التي نجمت عنها ستتوقف قريباً ، دون اعلان النتائج الحقيقية كالعادة ، ربما ، لكن الأمر المهم في هذه الأحداث الذي لا يمكن التستر عليه وتجاوزه هو ما طرحته من تساؤلات وما حملته من دلالات ذات مغزى . اما الأمر الاكثر اهمية فيما حدث فهو الرسائل التي وجهتها هذه الاحداث لاكثر من جهة معنية والتي أنطوت على المعاني والدلالات الصادمة التي تتطلب من تلك الجهات قراءتها ودراستها والتمعن بمغزاها وآثارها القريبة 
والقادمة أيضاً .
اما اولى رسائل تلك الاحداث فهي الموجهة الى الدولة بمؤسساتها الثلاث والى النظام السياسي القائم . فبعد ان سادت واستفحلت عمليات التجاوز على القوانين من الجماعات السياسية والمسلحة المنفلتة ومن بعض العشائر وبعض التظاهرات ، أصبح واجب الدولة الحزم في ممارسة دورها بتطبيق القانون على الجميع دون تردد او محاباة حفاظاً للأمن والنظام والاستقرار وعلى هيبة الدولة ومؤسساتها في آن واحد ، وذلك بمحاسبة من حرف التظاهرات عن هدفها وكذلك محاسبة القتلة الذين هدروا دماء بعض المتظاهرين.
وتتمثل الرسالة الثانية بواجب التأشير على الفاسدين وانذارهم سواء في مجالس المحافظات او مؤسسات الدولة والذين يجري التستر عليهم وذلك بجمع الادلة والوثائق التي تشير الى فسادهم وأحالتها الى القضاء والجهات المختصة ومتابعتها وكشف اية عملية تلكؤ في التحقيق الجدي والنزيه بها كي لا يبرر اياً كان أخذ حقه بيده 
دون الدولة.
أما الرسالة الثالثة للتظاهرات والأحداث وتداعياتها فهي موجهة الى ضعف الأداء الحكومي في مواجهة الفاسدين والفساد . ذلك ان الحكومات المتعاقبة ومنذ 2003 اكتفت غالباً بالتصريحات والوعود الكلامية بمكافحة وملاحقة الفاسدين وشكلت اللجان والهيئات التي ستقوم بهذه المهمة لكنها بقيت عند حدود الكلام والتصريحات الأعلامية او محاسبة الفقراء او صغار المتهمين بالفساد وعدم ملاحقة الحيتان الكبار . 
لقد أوضح وزير المالية والنقل والداخلية الاسبق باقر جبر الزبيدي في لقاء متلفز قبل ايام في احدى الفضائيات المحلية ، ان الفساد يستشري لان الدولة والقضاء يلاحقان ويحكمان على من (سرق) 25 الف او 100 الف دينار ، بينما لا يقترب احد ممن سرقوا مئات ملايين الدولارات من حيتان الفساد ، وشهادة كهذه مهمة لأن تصدر عن احد اركان الدولة
 وليس عدواً لها .
وتبقى الرسالة الاهم ، بل الاكثر اهمية التي ينبغي ان يتأمل بها الجميع هي التي تقول ، اذا كانت تظاهرات النجف وتداعياتها أقتصرت على جهة سياسية محددة وفي مدينة واحدة فقط فأن مثل هذه الاحداث مرشحة للتوسع بمشاركة غالبية قطاعات المجتمع وفي معظم المحافظات لتلتقي بالتظاهرات المرتقبة عن الكهرباء والماء الصالح للشرب وتفشي البطالة وانعدام الخدمات وعدم المحاسبة الجدية للفاسدين والفساد ، واصبح بذلك لسان حال اغلبية المواطنين يقول: لقد بلغ السيل الزبى ، وعلى الدولة والحكومة القيام بخطوات جادة وفعالة لتلافي الاعظم بعد قراءة رسائل
احداث النجف !