عبد الزهرة محمد الهنداوي
سألتني مقدمة البرنامج الصباحي، في إحدى الفضائيات العراقية، متى تغني بغداد؟
قلت لها، ومتى توقفت بغداد عن الغناء، لكي تستأنف غناءها من جديد؟
فغناؤها لم يتوقف، ولكن اختلفت نغمة وأطوار وكلمات هذا الغناء، فتارةً يكون حزينا حد البكاء، وتارة يكون من دون معنى، وكأنه حالة من الهيستريا، أو الهذيان المر، إذ لا يعدو عن كونه، همهمات، ناتجة عن تراكم الخيبات، ومآلات المآسي، والويلات، فالذي مرت به بغداد على مدى سني عمرها الضاربة عميقا في بطون التاريخ، من حروب واستهدافات، ووحوش مفترسات، لو تعرضت له أي مدينة في الأرض، لكانت الآن في عالم العدم، إلا أن كل تلك المدلهمات لم تستطع منع بغداد من الغناء.. قاطعتني المذيعة، قائلة، لم تجبني عن السؤال، متى تغني بغداد؟
قلت لها، بغداد تغني في كل صباح من صباحات شارع المتنبي المكتنز بكل معاني الحياة والجمال.. ولبغداد موعد قريب مع الغناء، وهو غناء من نوع مختلف، فهي ستغني، عندما تجد الأنوار وقد انتشرت في كل مكان.. أنوار البناء وإعادة الإعمار، أنوار الأدب والثقافة والفن والرياضة..
غنّت بغداد، عندما أُطلق اسم الفنان التشكيلي فائق حسن على أول مجسّر في رصافتها، ضمن حزمة مشاريع فك الاختناقات المرورية، التي انتشرت في كل أنحاء العاصمة، ليبدو المشهد وكأنه لوحة تشكيلية ابدعتها أنامل فنان محترف، وسيكون لكل مشروع من هذه المشاريع اسما يحمل دلالات تاريخية وفنية وثقافية، وهذا امر يدعو للارتياح، لأنه يشير إلى اهتمام كبير بإرث بغداد التاريخي، ذلك الارث الذي يمنحها القدرة المستدامة على الغناء.
غنّت بغداد بجذل عندما أودع ايمن حسين كرتين عراقيتين في مرمى اليابان، ليعلن أول تقدم عراقي عربي على تلك الامبراطورية، التي لم يعد بإمكان الشمس أن تغيب عنها، بعد أن غزت مشارق الأرض ومغاربها بسياراتها وكمبيوتراتها، هذا الفوز العراقي الذي جاء في إطار بطولة أمم آسيا في دوحة قطر، جعل القارة الصفراء بقضها وقضيضها تغني مع بغداد..
غنّت بغداد عندما وُضع الحجر الأساس لاول مدينة سكنية، حاملةً اسم شاعر العراق والعرب الكبير محمد مهدي الجواهري، الذي لطالما تغنى وغنّى لبغداد ودجلتها، وان كان غناؤه بطعم البكاء:
يادجلة الخير يا ام البساتين
حييتُ سفحك عن بعد فحييني
حييتُ سفحك ظمآنا الوذ به
لوذ الحمائم بين الماء والطين
إني وردت عيون الماء صافية
نبعا فنبعا فما كانت لترويني
وستغني بغداد بفرح، عندما يحظى فنانوها وأدباؤها ومثقفوها بالرعاية والاهتمام، وهم على قيد الحياة.. ستغني بغداد، عندما ترتفع السنة ابراجها تناطح اعنان السماء. بغداد ستغني عندما تجد كبار المستثمرين يتوافدون عليها من كل حدب وصوب، للظفر بفرصة استثمارية في هذا القطاع أو ذاك.
غناؤها سينطلق عندما يتقدم القطاع الخاص بثبات ليتولى قيادة وريادة التنمية في البلد. وكل تلك الملفات بانت ملامحها في الافاق بوضوح، وغيرها الكثير.
كنت أريد الاسترسال في الحديث عن غناء بغداد، إلا أن المذيعة قاطعتني، إن الوقت قد شارف على الانتهاء، شكرتني بفرح يشبه الغناء، لنذهب معاً إلى أغنية جميلة عن بغداد.