جودت التميمي.. نصوص زاخرة بالغربة والخيال

ثقافة شعبية 2024/01/25
...

 سعد صاحب 

لم يكتب جودت التميمي شعرا ترفيهيا، يغازل فيه البرجوازية من بعيد، او يكون صالحا لبث السرور في قلوب الاغنياء، او لتجميل المواقف السياسية الفاشلة، وبالرغم من اقترابه من هذه الاجواء لاسباب خاصة، كان دائما ما يذكر المعنيين بالمواجع، وما تعرض له من الظلم والنسيان والاهمال.
(انه وكلبي بهيمة الوحشه انسبينه / لا درب يعرف وجهنه / ولا وجه شفنه طفولتنه بجبينه / لا جدم ينكل بشاره ويعتنينه / لا شفايف تكطف البسمه علينه / لا بكت ايد التحط / دفو المحبه بحضن ادينه / لا بعد تلعب مراجيح العشك والشوك بينه). 


ردة فعل 

لا ينتج أشعاراً من أجل الذوق المتدني، او حسب الطلب كما أكلة سريعة جاهزة، وإنما ينجز القصيدة بحرق الاعصاب، ولا مجال لتدخل العقل الا لتشطيب الخطير منها، لأن الأدب الجيد في كل الأزمنة، ما هو إلّا ردة فعل على كل شيء عقيم. (جيتج من بعيد من ديره بعيدة / حتى ضحكات العرس بيها حزينه / سندباد بلا شراع بلا متاع بلا شباب بلا سفينه / ناكل الغربه وحنين الناس كلها بحضن عينه).


هموم وجوديَّة 

 في أغلب كتاباته هموم وجودية هائلة، وهناك الكثير من الافكار الفلسفيَّة المبثوثة في القصائد، مع خيط من العقلانيَّة المتخفية بين السطور، وبين المواجهة والتراجع، يكتمل بناء قلعة غربته العتيدة. (جيتج بنادم بكايه بنادم مفرهده اسنينه / جيت اكلج ليش  يحبيبه هوينه / وكبل ما تكضي ليالينه كضينه / راحت الدنيا بهلها / واحنه كل واحد حدر نجمه صفينه).


تجارب عديدة 

 جودت التميمي إنسان وطني، يعشق العراق الى حد الموت، ضحى من أجله كثيراً ودخل السجون، وبعد تجارب عديدة اكتشف ان السياسة فن الزور والكذب والتضليل، فغادرها واكتفى بحب الوطن من دون شروط او وصايا او تناحرات مجانية. (جيت اسولفلج على الحب الجبير/ عل الحبيب التسطع اشموس المفاخر من جبينه / اعشكت شعبي اعشكت كاعي / اعشكت كل طفله وطفل كل ايد امينه / هذا حبي ولا تلوميني اعلى حبي / انه حر وبالعشك كلمن ودينه). 

في هذا المقطع يقترب من التصوّف ويذكرنا بأشعار الحلاج، غير أن هذا الحب الذي يتحدث عنه الشاعر، هو عشق خالص للوطن، لكن وجود الرأس فوق الأبواب، يعود بنا الى أزمنة حمل الرؤوس على الرماح، او تثبيتها في أعلى الجسور. (وعلى حبي الف نوبه الگطعوني / وعلگوا راسي على ابواب المدينه / خضر بكل گطره من دمي مناضل / بيرغ الدنيا بيمينه). 


شبابيك المنافي 

مات الكثير من الرجال في المعتقلات، ولم تمت أفكارهم، وبعد حين اشرأبت من شبابيك المنافي مثل أغصان ناضجة، وهكذا العراقيون بعد موتهم، يتحولون إلى أناشيد او أغان خالدة، تصدح فيها شفاه الأجيال المقبلة. (واحنه والموت بدرب واحد مشينه / تالي مات الموت وانخذلت اسيوفه / صرنه بستة وفوگ كل شفه احتيينه).


زمهرير 

 الحبيبة المغرورة قلبها يشبه قطعة ثلج باردة، خالية من الشعور، فهو لا يرق ولا يحن ولا يذوب من الاشتياق، هو والوفر الكثيف من طينة واحدة، كلاهما لا يتأثر بالمواقف الإنسانيّة الساخنة، كلاهما باهت المشاعر والأحاسيس والعواطف والميول. (ظلي يفلانه بغرورج / يلي گلبج والثلج من فرد طينه). أروع ما في القصيدة أبياتها الأخيرة، وهي من الصور الشعريَّة المميزة جدا، استخدم فيها الشاعر المفارقة بشكل استثنائي، فهو لا يمتلك منزلاً يقيه برد الشتاء، ولا يرتدي الملابس الكافية للدفء، وعليك أن تتصور، شريد يتدفأ على الثلوج في زمان الزمهرير. (لشوكت نبقى انتحمه أعلى الثلج/ واحنه من جانت محبتنه جهنم ما دفينه).