بلاسخارت والعراق

آراء 2024/01/28
...

اردلان عبدالله

بات اسم الممثلة الخاصة للامم المتحدة في العراق جنين هينس بلاسخارت، يتوارد بكثرة على مسامعنا خلال السنوات الاخيرة في إقليم كردستان ووسائل الإعلام العراقية، ولم يحظَ أي ممثل آخر من البعثة الدولية بهذه الهالة الاعلامية مثل هذه المرأة الهولندية.  في وسائل الاعلام الوردية يتم الحديث عنها بنحو مبالغ فيه، ويعتبرها الكثيرون من معارضي حكومة إقليم كردستان، بمثابة أمل أو منقذ للشعب الكردي.

رغم أننا نعلم جميعا أن الأمم المتحدة لا تملك القدرة على تغيير أنظمة الحكم والإتيان بنظام سياسي آخر. عندما عدت إلى أوروبا العام المنصرم وقمت بزيارة هولندا، التقيت العديد من الأصدقاء والأقارب، الذين تفاجؤوا بأن هذه المرأة الهولندية تحظى بكل هذا الاهتمام والثناء، لأنها وفقا لمطلعين على تأريخها السياسي تعدُّ من السياسيات الفاشلات، وفقدت وفقا لذلك اغلب المناصب وحتى عضوية البرلمان منها.
وبعد سماعي لتلك الأخبار بدأت بمتابعة قصة هذه المرأة، وهنا أود أن أروي لكم بعض الصفحات من حياتها السياسية، لأن هدفي هو تقديم معلومات أكثر دقة ووضوحاً عن هذه المرأة السياسية، متجرداً من الاشارة إلى حياتها الشخصية، دون مبالغة أو تشهير.
ولدت جانين هينيس بلاسخارت في هيرلين، بالقرب من الحدود الألمانية، في 7 أبريل 1973. التحقت بالمدرسة الابتدائية والثانوية في بوديجرافين. ثم ذهبت إلى أوتريخت حيث تخرجت من معهد شوارتز التابع للأمانة الأوروبية. وهناك تعرفت على قوانين وقواعد الاتحاد الأوروبي. وهو ما فتح أمامها أبواباً واسعة وأتاح لها الفرصة للانخراط في الحياة السياسية.
انتخبت عضوا في البرلمان الأوروبي عام،2004، عن طريق تحالف الليبراليين والديمقراطيين، وأعيد انتخابها لعضوية البرلمان الأوروبي عام 2009، واستقالت عام 2010 بعد انتخابها عضوة في البرلمان الهولندي، وفي عام 2012 تم تعيينها وزيرا للدفاع بعد الانتخابات الهولندية. واستمرت في منصبها حتى عام 2017، ثم استقالت من منصبها مرغمة تحت ضغوطات من البرلمان الهولندي، بعد تشكيل لجنة تحقيقية برلمانية ضدها في أحداث مالي، التي اتهمت فيها بلاسخارت بالإهمال التي أرغمتها على تقديم الاستقالة.
وفي آب/أغسطس 2018، عينها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ممثلاً خاصاً له في العراق ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق.
وفي عام 2012، انضمت إلى حكومة روتا كوزيرة للدفاع وبقيت في منصبها حتى العام 2017، لكنها أُعفيت لاحقًا من منصبها بسبب فضيحة مالية. وعندما كشفت التحقيقات البرلمانية أن بلاسخارت أهملت في حماية أرواح الجنود الهولنديين في مالي، وذلك بسبب استخدام الرصاص السيئ، الذي كانت بلاسخارت مسؤولة عنه بشكل مباشر، ما دفع البرلمان الهولندي إلى فتح تحقيق، وأرغم بلاسخارت على الاستقالة.

بلاسخارت والعراق
في آب/ أغسطس 2018، عيّنَ الأمينُ العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس جينين بلاسخارت ممثلة خاصة له في العراق، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي». لم يكن لبلاسخارت تاريخ جيد مع العراق قبل مجيئها إلى هنا، وذلك بسبب أحداث الحويجة عام 2013، والمعروفة إعلاميا باسم «مجزرة الحويجة». وبعد ثلاثة أيام من الحصار، فتحت القوات العراقية، بمساعدة قوات التحالف، بما في ذلك القوات الجوية الهولندية، النار على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل نحو 58 شخصا، الأمر الذي أثار ضجة في العالم العربي السني، حيث يعتقد البعض أن القوى الإسلامية المتطرفة، وخاصة داعش والقاعدة - استغلت المذبحة لإثارة مشاعر العرب السنة ضد الحكومة. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية والبرلمان أجریا تحقيقات شاملة وعاقبا العديد من المسؤولين العسكريين والأمنيين، إلا أن ذلك كان بمثابة صب الزيت على النار، لجعل سكان المناطق العربية السنية أكثر معارضة لحكومة المالكي.
وقال البنتاغون إن الجيش الهولندي متورط في الجريمة عندما كانت بلاسخارت وزيرة للدفاع. إلا أن بلاسخارت تمكنت من التنصل من المسؤولية دون عواقب، وتحدثت بعض وسائل الإعلام الهولندية عن إهمال بلاسخارت، لكنها لم تهتم كثيرا. لكن هذه الحادثة اثرت بنحو سلبي وترتبت عليها تداعيات كبيرة على السلم الأهلي والاجتماعی في العراق.

الكلمة الأخيرة
وإذا أمعنا النظر في تأريخ المبعوثين الأمميين لدى العراق، نجد أن بعضهم كان له دور جيد في تقديم المقترحات والبرامج في جميع المجالات الإدارية، لكن هذا العبث والاهتمام غير المبرر الذي نشاهده في وسائل الإعلام العراقية بنحو عام وإقليم كردستان بنحو خاص في الدور، الذي تلعبه بلاسخارت شيء غیر اعتیادي، لأنها كانت سياسية فاشلة في بلادها، فكيف يمكنها أن تكون طوق نجاة وحلال مشكلات في إقليم كردستان والعراق؟.

کاتب و صحفي کردي