زهير كاظم عبود
تقدمت حكومة جنوب افريقيا بدعوى ضد الحكومة الإسرائيلية (دولة الكيان الصهيوني) لارتكابها جرائم إبادة جماعية والتدمير الشامل لمعالم الحياة المدنية، واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وتهجير السكان المدنيين، وتم قبول الدعوى التي نظرتها محكمة العدل الدولية، وهي جهاز قضائي تابع لمنظمة الأمم المتحدة، ووفقا لأحكام القانون الدولي فإن هذه المحكمة تنظر في شأن النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وكذلك تقدم الاستشارات القانونية حول بعض القضايا، التي تحيلها عليها أجهزة منظمة الأمم المتحدة، ومقرها في العاصمة الهولندية (لاهاي).
ومن الجدير بالذكر أن القرارات التي تصدرها هذه المحكمة، والتي تعد من أوسع وأكبر الهيئات القضائية التابعة للأمم المتحدة ملزمة لجميع الدول، بما فيها الأطراف الخاصة بالشكوى، إلا أن هذه القرارات تحال على الجهات المختصة في المنظمة الدولية لفرض تنفيذها، ومثل هذا الأمر يتعلق بآلية التنفيذ، التي يملكها مجلس الأمن وما يتبعه من شروط حق النقض التي تهيمن على صدوره الدول الكبرى.
ومنذ السابع من تشرين الأول 2023 يشنُّ جيش دولة الكيان الصهيوني حربا غير عادلة ومدمرة على مدن قطاع غزة في فلسطين المحتلة، مستهدفا تجمعات السكان المدنيين وجميع مناحي الحياة، والسعي مع سبق الإصرار والتعمد على السعي لإلغاء جميع منافذ الحياة، بقصد إبادة وتدمير المدنيين والمسلحين في هذه المنطقة دون توقف، والسعي لإحداث دمار كلي وشامل وإحداث كارثة إنسانية بلغ حصيلتها قبل فترة اكثر من 25 ألف قتيل ومئات الآلاف من المصابين وإحداث عاهات وجروح خطيرة، بتحد واضح ومكشوف أمام أنظار المنظمة الدولية وجميع دول العالم، محاولًا اعتماد سياسة التضليل والخداع، لإضفاء غطاء الدفاع عن النفس وتحرير الأسرى، الذي يدفعه لارتكاب مثل هذه الأفعال
الإجرامية.
وبعد أن استمعت المحكمة إلى الدفوع، التي تقدم بها وكلاء دولة جنوب افريقيا، التي تقدمت بأدلة مادية لإثبات صحة الشكوى، وهي أدلة معتبرة ودامغة لإثبات ممارسة الأفعال الجرمية، التي تدخل ضمن نطاق جرائم الإبادة الجماعية وانتهاك الاتفاقيات الدولية بهذا الصدد، وكذلك أيضا استمعت المحكمة إلى الدفاع المقابل لدولة الكيان الصهيوني، والتمسك بمبدأ حق الدفاع عن النفس إزاء حالة الهجوم العسكري، الذي شنته منظمة حماس والجماعات المسلحة في قطاع غزة أو بقية المناطق المحتلة من الأراضي الفلسطينية.
والقرار الذي يصدر من هذه المحكمة يفترض أنه يعبّر عن الإرادة الدولية، ويكتسب القرار صفة إلزام التنفيذ والرضوخ، لما ورد فيه من أسباب ونتائج توصلت إليه المحكمة التي تشكلت من عدد كبير من القضاة، من الذين توفرت فيه صفة العدالة والخبرة والحياد، وعددهم 17 قاضيا، وأي امتناع أو رفض لقرار هذه المحكمة، يوجب المسؤولية القانونية.
وبتاريخ 26 \1\2024 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها بالأغلبية بشأن القضية المعروضة عليها من حكومة جنوب افريقيا لإدانة دولة الكيان الصهيوني، وتضمن القرار توفر شروط (تدابير طارئة لفرض تدابير مؤقتة لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها نوعًا من أنواع جرائم الإبادة الجماعية، وأقرت المحكمة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في طلب الحماية من ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية بحقه، من قبل جيش الكيان الصهيوني، واتخاذ الإجراءات القانونية لوصول المساعدات الإنسانية الملحة بشكل فوري، ومنع التصريحات والتعليقات المتعلقة بالتحريض على الاستمرار بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وعدم التخلص من الأدلة، التي يمكن أن تستخدم ضد دولة الكيان، حتى يتم تقديم التقرير الخاص بتطبيق وتنفيذ قرار الحكم القضائي.
قرار المحكمة تضمن رفض طلب دولة الكيان الصهيوني، حول طلب رفض النظر في الشكوى التي تقدمت بها جنوب افريقيا، ونص القرار على اتخاذ إجراءات لمنع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة، ولم يتضمن القرار الأمر بإيقاف القتال والحرب في قطاع غزة، حيث نص أن في (وسع) دولة الكيان الصهيوني اتخاذ الإجراءات، لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تقع ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية منع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وأضافت بأن على دولة الكيان تجنب الأفعال التي تؤدي إلى القتل والتدمير والاعتداء، وإن عليها أن ترفع تقريرا الى المحكمة خلال مدة ( شهر واحد) بصدد تنفيذ التدابير المؤقتة التي قررتها المحكمة، وأن على حكومة الكيان ( التأكد ) من أن جيشها لا يرتكب الانتهاكات التي تم ذكرها في القرار.
وبالرغم من أن القرار يمثل الإرادة الدولية باعتباره صادرا عن هيئة قضائية دولية، لم يتضمن القرار الأمر بإيقاف القتال فورا، لإيقاف استمرار القتل والتدمير الذي يرتكبه جيش الكيان دون اكتراث للقرارات الدولية، وأمام أنظار وبصر العالم، دون خشية أو خوف من عواقب، ما يلزم الإرادة الدولية أن تقوم بتنفيذ فوري لنصوص القرار القضائي، حتى لا يتحول إلى قرار اعتباري أو استشاري لا قيمة له، وحتى يمكن ترجمة التوجه العام لقرار الأغلبية في المحكمة، التي توجهت إلى الاستجابة للنتائج، من خلال الأدلة المادية والمعنوية، التي تقدم بها فريق جنوب افريقيا في هذه الشكوى، ولغرض ترجمة القرار ترجمة تنفيذية على الضمير الإنساني الدولي إن كان معنيا باحترام الحقوق والقرارات القضائية، والحد من استمرار آلية القتل والتدمير والتخريب أن يسعى لفرض تطبيق كلي لما ورد بالقرار وأن يكون موقفا سياسيا متناسبا مع نصوص الاحكام التي نص عليها، وأن على جميع الحكومات المعنية بما فيها الدول الكبرى في مجلس الأمن، أن تحترم قرار المحكمة مع ما ورد فيه من قصور، وعدم الإفصاح عن الأخذ بجميع القرائن والدلائل والسندات الدامغة التي تؤكد صحة
الشكوى.