د. مزهر جاسم الساعدي
لست معنيا هنا في هذا المقال ان اخوض في شرح مفهومات الدولة بحسب الفكر السياسي الذي يؤطرها انما اريد فقط ان اشير الى اهمية مقولة بدأت تنتشر وتلاك بالألسن بين اغلب المواطنين فضلا عن المشتغلين بالسياسة والنخب الثقافية ، اذ كلما انزعج السياسي او المواطن من عمل يخل بالنظام او فيه تجاوز واضح ، تراه لا يتردد بإطلاق مقولة ( اين الدولة ؟) وبوضوح اكبر كما هي باللغة الدارجة (وين الدولة) ولعل هذا التساؤل هو مشروع جدا بكونه طريقة للاستنكار او الاستفهام عن وضع غير صحيح ،لكن ما ان نتفحص فيمن يقول هذه العبارة ربما نجده في مكان اخر يعاب عليه ذات الشيء الذي عابه على غيره .
ان الموظف الحكومي حين يقوم بمراجعة مؤسسة حكومية غير مؤسسته التي يعمل فيها ويرى بأم عينه كيف يأتي من هو مصحوب بوساطة شخص ما كيف تنجز معاملته بأسرع وقت وان كان على حساب مواطنين اخرين ، قطعا سيتململ ويطلق المقولة التي يتعاطف معها من هو موجود في تلك المؤسسة من المواطنين (وين الدولة؟ ) ،لكن هذا الموظف نفسه حين يعود الى دائرته تراه يقوم بذات الفعل وهناك موظف او مواطن يستنكر عليه فعله ويقول ذات المقولة الاولى ( وين الدولة؟ )
ومواطن اخر يقف في الطابور قرب سيطرات القوات الامنية احتراما وامتثالا لتطبيق القانون او النظام ويرى بأم عينه كيف ان عجلات السادة المسؤولين ومن معهم من حمايات تمر من امامه مسرعة عبر ممر خاص فيعدها تجاوزا وانتهاكا للنظام العام فلا يتردد بالقول (وين الدولة؟ ) لكنه يفعل ذات الشيء اذا كان راكبا في عجلة مسؤول اخر وهناك مواطن قد رصد هذا الفعل ربما يستنكر هذه الممارسة ويطلق العنان لمقولة ( وين
الدولة؟ ).
ولعل الاغرب حين نسمع هذه المقولة من برلماني او عضو في مجلس محافظة او مسؤول حكومي رفيع المستوى حين يرى زميله الذي يناظره في التوصيف وهو يقوم بعمل يخل بالنظام حين يطلب من موظف القيام بعمل يحاسب عليه القانون او هو ليس من صلاحيته القيام به فتراه يستنكر هذا العمل على من قام به ولا يتردد بإطلاق المقولة (وين الدولة؟) لكنه ربما في مكان اخر يفعل ذات الشيء وربما يستنكر من زميل اخر بالمقولة ذاتها (وين الدولة؟ ) .
وهناك من الحالات التي يطول الحديث عنها بل هي من المشاهد العينية التي تتكرر يوميا وتستنكر يوميا ، لكن حقا هل يمكن ان نقف عند هذه المقولة ونتساءل عن صحتها وقصدها ، وبعبارة اخرى ماذا يقصد المواطن بكلمة الدولة ؟ هل يقصد الحكومة ومؤسساتها ؟ او انه لا يفرق بين المفهومين حتى استوت عنده المفردة وصارت شائعة في الاستعمال وان كانت مختلفة المعنى ؟
ثم ماذا يقصد المسؤول بكلمة الدولة التي يطلقها حين يرى الخلل؟ هل فعلا يقصد الحكومة او انه يقصد المجتمع ؟.
لست متأكدا من فهم العديد ممن يطلق مفردة الدولة وماذا يريد بها ، ان كان من المواطنين او من المسؤولين لكني متأكد ان الممارسات التي نعيبها على الاخرين قد نمارسها من دون لوم او تقريع ذاتي طالما جاءت متسقة مع مصالحنا الخاصة وتلك هي المصيبة التي جعلتنا نماهي بين المفهومين بقصد اضعافهما كلاهما .
ان الدولة الديمقراطية الحديثة كما يصفها بعض المفكرين لا تكتفي بعدم تفرد الاغلبية بالحكم انما هي التي تقدم الخدمة للمواطنين بشكل عادل ويكون فيها المسؤول موظفا تنفيذيا يتقاضى مرتبة الشهري من المال العام وهي الاحرص على رعاية الاطفال وتجنبهم الصراعات ، وفي هذه الحال قد اخذ كل من افراد المجتمع حقه ونصيبه الذي لا يعطى بمنة من احد ، ولو ان الممارسات التي لا تنال من حق الاخر قد اشيعت بشكل سلس وتدريجي بين افراد المجتمع ، قطعا سيكون الفرز واضحا بين المفهومات وحينئذ يمكن استعمالها في محلها من دون التباس وان كان هناك من يوجه اللوم لمن اساء استعمال السلطة سيستبدل المقولة من (اين الدولة؟ ) الى (اين ) اخرى ربما يكون المعني بها الحكومة او المواطن نفسه او
البرلمان او....