الشراكة تعني تحمّل المسؤولية

اقتصادية 2024/01/28
...

محمد شريف أبو ميسم

مفرح جداً أن يثار الحديث عن تشريع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص داخل أروقة مجلس النواب، إذ إنَّ وجود مثل هكذا قانون سيسهم في بلورة نظام اقتصاد سوق اجتماعي على وفق التوجهات الحكوميَّة الداعمة لدور القطاع الخاص وإشراكه في عملية التنمية المستدامة دون التنصل عن مسؤولية الإخفاقات مقابل حصوله على الأولوية الاستثمارية والتسهيلات الضريبية والمصرفية وسواها من امتيازات عناصر الشراكة.
ونظام اقتصاد السوق الاجتماعي أو ما يسمى بالدولة الكنزية نسبة إلى الاقتصادي البريطاني “جون مينارد كينز” قائم على فكرة “تدخل الدولة في نظام اقتصاد السوق يمكن أن يحقق الاستقرار الاقتصادي”، إذ إنَّ الأسواق الحرة بحسب “كينز” ليس لديها آليات التوازن الذاتي التي تؤدي إلى التوظيف الكامل، وبالضرورة فإنَّ تدخل الدولة عبر تطبيق السياسات العامة، هو الذي يحقق التوظيف الكامل واستقرار الأسعار، ويستدل كينز هنا بحالة “عدم اليقين” خلال فترات الركود الاقتصادي التي تؤدي إلى تراجع ثقة المستهلكين، ومن ثم تقليل إنفاقهم، وبالتالي انخفاض معدلات الاستثمار استجابة لضعف الطلب على المنتجات، ما يستدعي تدخل الدولة في مهمة دعم زيادة الإنتاج بهدف تحقيق التوازن في كل المراحل التي تشهدها دورة الأعمال، لضمان وجود اقتصاد مستقر يسهم في إقامة دولة الرفاه.
وفي العادة فإنَّ دولة الرفاه وعلى خلاف نظام اقتصاد السوق الليبرالي، تضع حداً لتغول الرساميل من خلال نظام ضريبي عادل يأخذ بنظر الاعتبار التصاعد في جباية الضرائب على فائض القيمة في الاستثمارات غير المباشرة، في ما يقدم التسهيلات الضريبية للمشاريع الخدمية ذات الصلة المباشرة بتطوير ملامح الحياة والاستثمارات المباشرة في القطاعات ذات المخاطر في دورة رأس المال، وبذلك فإنه يحد من الأرباح القائمة على المضاربات في أسواق المال والعملات وما يسمى باقتصاديات الكازينو.
إذن فهذا النوع من الشراكة يعني بالضرورة أنَّ القطاع الخاص سيكون شريكاً أساسياً في بناء الدولة والمجتمع من أجل تحقيق التنمية المستدامة والرفاه لأبناء هذا الشعب، ولا يعني قطعاً أن تكون للقطاع الخاص أذرع أو أصابع في التشكيلات المؤسسية، إذ إنَّ وظيفة المشرّع هنا، هي تنظيم العلاقة بين الطرفين وتحديد الواجبات والحقوق وقطع الطريق على الأذرع أو الأصابع التي قد تعتقد “وبموجب الشراكة” أنها قادرة على التوغل في التشكيلات المؤسسية.
ومن المهم بمكان أن يتم الفصل بين مفهوم استثمار عقارات الدولة التي تقدر بمليارات الدولارات ومفهوم الشراكة التي تعني تحمل المسؤولية، وأما الاستثمار فإنَّ له قانوناً ينظمه.