قراءة تحليلية لنتائج الانتخابات المحليَّة 2023

آراء 2024/01/29
...

 سعد الراوي

عقب كل انتخابات هناك فروقات بنسب التصويت وبآراء المحللين والمختصين والسياسيين وحتى الناخبين، وقبل أن نخوض في بعض التفاصيل والبيانات ندون بعض الملاحظات العامة: نسب التصويت بشكل عام لم تصل إلى 30 % رغم ما أعلن بأنها تجاوزت 40 %. وهذا الفارق بسبب عدم احتساب الناخبين الذي لم يمتلكوا بطاقة بايومترية. فمن غير المعقول ان تكون أعداد الناخبين في عام 2018م و2021م أكثر من أعداد الناخبين عام 2023م.

لا يزال هناك أكثر من ثلث الناخبين محرومين من التصويت بسبب عدم امتلاكهم بطاقة بايومترية. ولا توجد بوادر لحل معضلة سجل الناخبين.

نسب التصويت متفاوتة جداً أعلى نسبة تصويت في كركوك 65 % وتليها صلاح الدين 59 % والانبار57 % ونينوى 53 % تليها المثنى 45 % وكل من البصرة وديالى 43 % وكل من بابل وكربلاء 40 %. وأقل نسب تصويت في بغداد الرصافة 21 % وميسان 29 %، وذي قار 31 %، و32 % لكل من النجف والكرخ و37 % واسط والديوانية 38 %. 

ضعف عام وكبير في الثقافة الانتخابية والمؤلم أننا نجده حتى عند بعض الأحزاب السياسية وعدد غفير من المرشحين. وهذا يسبب إشكال كبير للأحزاب والمرشحين ويعزز أزمة عدم الثقة في الانتخابات، ويزيد من الفجوة بين المرشحين والأحزاب التي أتت بهم ومرشح وآخر من داخل القائمة.

هناك تحالفان حصدا الصدارة في محافظاتهم لعموم هذه الانتخابات وهما تحالف تصميم في البصرة وتحالف تقدم في الأنبار. لكن البصرة فيها تحدٍ كبير بين الفائز وقوى الإطار، وهذا التحدي غير موجود في الأنبار رغم ذلك قد تكون هناك تحالفات وتفاهمات جديدة لتوزيع المناصب في كل المحافظات المحررة، مما يعني أن يتقاسم كل الفائزين الأدوار والمناصب في هذه المحافظات وبنسب مقاعدهم.

افتقار معظم الأحزاب لمشروع سياسي وبرنامج انتخابي لإقناع الناخبين وخطة انتخابية، كل ذلك عزز العزوف فقَلَتْ نسبة التصويت إلى أقل نسبة في أي انتخابات محلية سابقة، فأمسى التصويت عشائريا مناطقيا، وحتى الأحزاب كانت تسعى لكسب مرشحين أقوياء من العشائر وهذا ما جعل عشرات المرشحين من عشيرة واحدة.

افتقارنا بشكل عام لمنظومة انتخابية واضحة مفصلة، تعزز تعدد التفسيرات لاي فقرة فيها غموض، ولا نستغرب تفسيرها لصالح الفاعل السياسي. والأمثلة لا حصر لها بهذه الإشكالية ولم نجد بوادر حلها.

معلومات عن عدد الناخبين والمصوتين.

عدد الناخبين الكلي أكثر بقليل من 16 مليون ناخب يمتلك بطاقة بايومترية ويحق لهم التصويت. 

6،599،668 عدد الأصوات الصحيحة. (في 15 محافظة المشمولة بهذه الانتخابات).

4،269،421 عدد الأصوات الصحيحة في 7 محافظات (بغداد/ بصرة/انبار/ نينوى/كركوك /ديالى/ صلاح الدين). بنسبة 64،4 %.

2،330،247 الأصوات الصحيحة ل 8 محافظات (بابل/ النجف/واسط /كربلاء/ القادسية/ ميسان/ ذي قار/المثنى). بنسبة 35،3 %. 

مجموع ما حصدته التحالفات والأحزاب في المحافظات الغربية والشمالية مع بغداد:

تحالف تقدم 21مقعدا يضاف إليه 5 مقاعد في الأنبار متحالفة معه.

حزب السيادة 14 مقعدا موزعة بين عدة محافظات.

تحالف عزم 9 مقاعد.

تحالف حسم 8 مقاعد.

الجماهير الوطنية 5 مقاعد.

هناك تحالفات مناطقية في محافظة واحدة مثل التحالف العربي في كركوك 3 مقاعد وتحالف القيادة (سيادة وتقدم) مقعدين.. الخ.

في البصرة رغم وجود جمهور لتحالف القيادة يتجاوز مئات الآلاف من الناخبين، لكن لم يحصد أي مقعد فيها وهذا يؤكد أن العزوف كبير وكبير جداً ولأسباب كثيرة، سندوّن بعض منها في هذه الورقة.

مجموع ما حصدته قوى الإطار والمتحالفين معهم: 

43 مقعدا لتحالف نبني.

35 مقعدا لائتلاف دولة القانون.

24 مقعدا لتحالف قوى الدولة الوطنية.

5 مقاعد تحالف الأساس.

مجموعها 115 مقعدا يضاف لها المقاعد المتفرقة التالية: {26 مقعدا للأوائل في المحافظات الجنوبية الثلاث مع 8 مقاعد في المحافظات الشمالية ليصبح المجموع الكلي 149 مقعدا}.

أما مقاعد الأحزاب الكردستانية فهي 12 مقعدا موزعة بين كركوك ونينوى وديالى وكما موضح أدناه.

6 مقاعد للاتحاد الوطني الكردستاني {5 مقاعد في كركوك ومقعد واحد في ديالى}

6 مقاعد للحزب الديمقراطي الكردستاني {4 في نينوى و2 في كركوك}.

ندون في الجداول أدناه ما حصلت القوائم الرئيسية {تقدم/السيادة/عزم /حسم} في المحافظات الغربية والشمالية وجدول آخر يمثل ما حصل عليه الإطار {تحالف نبني/دولة القانون/ تحالف إدارة الدولة الوطنية/ابشر يا عراق/ تحالف الأساس} ومسانديهم في المحافظات التي نزلوا فيها قوائم انتخابية مع مقاعد مع بعض المعلومات الأخرى وجدول ثالث مخصص للأحزاب الكردستانية وكما موضّح أسفل كل جدول: - 


مجموع المقاعد 53 مقعدا يضاف لها 5 في صلاح الدين لحزب الجماهير و3 في كركوك قائمة السيد المحافظ مع 1 مقعد لتحالف العروبة و5 في الأنبار تتبع تحالف تقدم و1 لتحالف الحسم وفي ديالي {قائمة استحقاق ديالى 2مقعد} واما نينوى فتضاف 11 مقعدا آخرين لكل من {(5 نينوى لأهلها للسيد المحافظ) (3 عقد وطني يتبعون للسيد فالح الفياض) (2 مقعد الهوية الوطنية تبع الكلداني) (1 مقعد لتجديد)}. 

تصبح عدد المقاعد الكلي 53 + 28= 81 مقعدا من مجموع المقاعد 275 مقعد لـ 15 محافظة.

29 % النسبة المؤية من مجموع مقاعد المحافظات غير المنتظمة بإقليم.


قد يصعب تحديد مقاعد الإطار التنسيقي مع مؤيديه أو المتحالفين معه بشكل أدق مما ذكر في أعلاه، لكن المهم أن نعطي فكرة جلية عن مقاعدهم بشكل عام ونسبة هذه المقاعد من مجموع المقاعد الكلية للمحافظات الـ 15 المشمولة بهذا القانون.

115 مقعدا لتحالفات الإطار.

8 مقاعد في كل من نينوى 2 مقعد وديالى 4 مقعد وصلاح الدين 2 مقعد.

26 مقعدا لقوائم المحافظين الثلاث في البصرة 12 وكربلاء 7 وواسط 7 مقاعد.

149 مقعدا للإطار مع قوائم المحافظين الثلاث.

قد تكون هناك مقاعد أخرى قريبة من الإطار.

تبقى المقاعد الأخرى متفرقة بين قوى تشرين والقوائم المدنية وبعض الأحزاب والقوائم الصغيرة أو المنفردة.


12 مقعدا مجموع مقاعد الأحزاب الكردستانية 12 مقعدا لكل من {الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني} ٦ مقاعد، وسيكون لهم دور فاعل ومهم في نينوى وكركوك بتشكيل الحكومات المحلية وخصوصاً إذا كان تفاوضهم كقائمة واحدة مع بقية القوائم الأخرى. 

الاستنتاجات: عندما تجري انتخابات بقانون لم نتعرف على كل فقراته، ولم ينشر في المواقع الرسمية وشبه الرسمية بكل بنوده ومواده، لا نستغرب إذن كل ما آلت إليه نتائج انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم. فكل ما يدون من أسباب تدني المشاركة وضعف الوعي الانتخابي وحتى تراجع العملية السياسية برمتها، كل هذا وغيره يعود إلى أسباب عدة، أهمها المنظومة الانتخابية عدم وضوحها وعدم وجود قانون انتخابي واضح 

ومفصل. 

فأكرر سؤالي الذي من يمتلك قانون الانتخابات كاملا وهل هو قانون رقم 12 لسنة 2018م المعدل أم قانون جديد رقم 4 لسنة 2023م؟

لا تزال المشاركة ضعيفة جداً ولا نستطيع رسم معالم أي حزب أو ائتلاف بشكل دقيق. وتتفاوت نسب المشاركة في المحافظات التي يوجد فيها تحدٍ لا تعطي إشارات بوجود إصلاح حقيقي رغم وجود محافظات كان التصويت فيها لإنجازات المحافظ وحزبه أو ائتلافه وهذا ما رفع نسبة المشاركة.

 نرجع ونكرر افتقار المشروع السياسي الإصلاحي قد يكون سببا رئيسا بتدني المشاركة مع وجود أسباب أخرى كضعف الثقافة الانتخابية وعدم نضوج المنظومة القانونية الانتخابية، لتلائم المعايير الدولية للانتخابات وإدارة انتخابية تتعرض لاتهامات من قبل بعض شركاء العملية السياسية.. الخ.

أكثر التصويتات عشائرية مناطقية، بل حتى الأحزاب ومنها الفائزة بأكثر مقاعد تعمل على استقطاب العشائر وتأييدها للحصول على مرشح يحقق الفوز للحزب وللعشيرة معاً. وهذا يعني افتقار الأحزاب للتنظيمات وكسب المؤيدين واختيار مرشحين من داخل تنظيمات الأحزاب. 

ممكن لقليل جداً من الائتلافات الفائزة أن تشكل حكومة بمفردها في محافظة معينة، ولكن قد يخسر مشاركاته في محافظات أخرى، لذا نرى أن التفاهمات قد تكون بصفقة كاملة لمجموعة من المحافظات، وهذا ما نراه في كل انتخابات لندرة وجود أحزاب أو فائزين يمكن أن يكون بكفة المعارضة في أي تشكيل للحكومات المحلية أو الوطنية.

هناك عراقيل بتشكيل الحكومات المحلية وفق النتائج الحالية في نينوى وكركوك، وأقل منها في ديالى وصلاح الدين فقد تخسر مناصب عدة كانت تحسب لهذه الائتلافات الرئيسة في هذه المحافظات. 

لا نستبعد أن تكون تفاهمات بين قوى الإطار والقوائم الفائزة في المحافظات الغربية والشمالية وخصوصاً في بغداد وقد تكون تنازلات من الفائزين في المحافظات الغربية والشمالية، لأجل الحصول على مناصب مهمة في محافظات أخرى لا يتسيّد فيها الإطار مثل ديالى ونينوى ولا نستبعد حتى البصرة أن تدخل بالتفاهمات.

افتقار التنسيق بين القوائم الرئيسية لكل المحافظات، أو وجود جهة تراعي التفاهمات بين الإطار التنسيقي وباقي الائتلافات في المحافظات الغربية والشمالية قد يؤدي إلى عدم تنفيذ كثير مما تتطلبه هذه المحافظات واحتياجاتها.

لا توجد برامج واضحة للأحزاب والائتلافات الفائزة في الحكومات المحلية للتقليل، إن لم نقل انهاء الفساد الإداري والمالي الذي تعاني منه كثير من المحافظات.

الوضع السياسي العام بعد إعلان النتائج يشير ألا تغيير عما حدث في كل الانتخابات السابقة، وستكون حكومات محلية توافقية، ومعظم الفائزين إن لم نقل كلهم سيشاركون في الحكومات المحلية، ويتقاسمون المناصب وهذا يعني افتقار المعارضة التي تراقب وتحدد الخلل وتضع معالجات. 

الجهل الكبير بالإجراءات والعمليات الانتخابية لا يزال يعزز الشكوك بنزاهة الانتخابات، وحتى من قبل كثير من الأحزاب والمرشحين، وخصوصاً من لم يحالفهم القدر بالفوز.

لا يزال الفاعل السياسي المسيطر تأثيره أقوى من نتائج الانتخابات، وممكن أن يكون فوق القانون وخارج المساءلة.

من يقرأ الانتخابات المحلية السابقة والأسبق منها سيجد هناك فوارق جمة بين مقاعد كثير الأحزاب والائتلافات التي كانت اعداد مقاعدها اضعاف ما هي عليه اليوم، وسأعطي مثالا بسيطا لائتلاف دولة القانون في انتخابات 2009م فقد كان لديه 126 مقعدا في مجالس المحافظات من مجموع 441 مقعدا  أي ما نسبته 28،5 % واما في بغداد فكان له 28 مقعدا في مجلس محافظة بغداد من مجموع 55 مقعدا أي اكثر من نصف مقاعد بغداد 50،9 % بينما في انتخابات 2023م لم يحصل سوى 9 مقاعد من 49 مقعدا أي ما نسبته 18،3 % وهذا فارق شاسع ورد مهني، لكل من يقول إن الانتخابات محسومة وموزعة بين الائتلافات الكبيرة ويدعو لمقاطعتها.


التوصيات: 

المقاطعون الذين تتجاوز نسبنهم الثلثين إن لم نقل قاربت ثلاثة أرباع الناخبين، وكثير منهم يطالبون بالإصلاح الحقيقي وإنهاء المحاصصة وتشكيل حكومات وطنية.. الخ يجب أن يكون تفكيرها بإنضاج مشروع سياسي عراقي، بدل النقد والنقد اللاذع أو الاعتماد على المقاطعة للإصلاح، فهناك مجال واسع للعمل بهذا الاتجاه.

إن لم يكن هناك ضغط في تشكيل الحكومات المحلية مختلفة عن سابقاتها، فلا نستغرب عودة الدعوة لحل مجالس المحافظات والتظاهر من جديد لتحقيق هذا المطلب. لا بد من حل كل الثغرات الفنية والقانونية وأي غموض بفقرات المنظومة الانتخابية، إن عجزنا عن مراجعة شاملة وإصلاح متكامل لهذه المنظومة، فهي أساس لأي انتخابات حرة نزيهة بمعايير دولية.  العمل لأجل توعية انتخابية واسعة للأحزاب السياسية ومرشحيها ومنتسبيها بشكل خاص وجمهور الناخبين بشكل عام لما لها تأثير على الانتخابات ونتائجها. فلا تزال معظم الأحزاب تفتقر لمكتب انتخابي مهني رغم وجود عدة مكاتب في مقرات الأحزاب كمكتب العشائر ومكتب الشباب ومكتب العلاقات ومكتب المرأة. الخ. إعداد ورشة (الدروس المستنبطة) لكل الأحزاب والائتلافات لمراجعة شاملة لهذه الانتخابات لتعزيز أي نجاح، ومعالجة أي اخفاق وتجاوزه وعدم تكراره لأجل وضع خطة انتخابية مفصلة للانتخابات القادمة.  الإعداد التام والتهيئة المهنية لاختيار مرشحين أكفاء بطريقة احترافية وتدريبهم وتهيئتهم للانتخابات القادمة لتخطي كل الإشكالات التي رافقت اختيار المرشحين ولا تقل الفترة الزمنية لهذه الفقرة عن عام كامل.  وضع خطة مجدولة بتوقيتات زمنية لإكمال سجل الناخبين وعدم حرمان أي ناخب من حق التصويت.

إنهاء حالة وجود اشخاص أو أحزاب فوق القانون وخارج المساءلة وهذه عقبة كبيرة نتائجها تعزز المقاطعة وتثير مخاوف المشاركين في الانتخابات من خارج أحزاب السلطة.

هذا ما وددته طرحه بكل ما اعلن وقبل الانتهاء من الطعون وإعلان النتائج النهائية، ومن هنا أود أن ارفق ورقة مفصلة عن اصلاح المنظومة الانتخابية واطرها وتعددها لكل فقرات المنظومة الانتخابية، وليس بمادة من هذا القانون أو ذلك النظام، وسأرسلها للجهات التي تتبنى هذا الإصلاح وتبادر لانتشال الواقع الثقافي الانتخابي والديمقراطي، ورفعه لمستويات عليا تليق ببلد الحضارات عراقنا الحبيب أول من شرعت فيه القوانين.


* نائب رئيس مجلس مفوضية الانتخابات العراقية الأسبق