الحرب المنسيَّة

آراء 2024/01/30
...







 باقر صاحب

 حربٌ منسيّة، هذا ما يمكن توصيفه الآن، على ما يجري في السودان من حربٍ أهليّةٍ ضروس، شرارة البدء فيها تمرّد قوات الدّعم السريع على قوّات الجيش الحكومي في منتصف نيسان من العام الماضي.
وبالنتيجة، كلا الطَّرفين بصراعهما العسكري أجهزا على العمليّة السياسيّة في البلاد، وعلى الطموحات الديمقراطية لمرحلة ما بعد ثورة 2018، التي أطاحت بحكم عمر البشير.
توصيف الحرب المَنسيّة، يؤازره نشوب الحرب الوحشيّة على غزة في 7 تشرين الأول من العام الماضي. إذاً هناك فترةٌ زمنيّةٌ ما بين الحربين، تُقدّر بنحو ستّة أشهر. خلال هذه الفترة الزمنيّة المحدودة، كانت حرب السودان تشغل حيّزاً نسبيّاً من اهتمامات وكالات الأنباء العربية والاجنبية، أخبارٌ متواترةٌ يرصدها كتّاب مقالات الرأي والمحللين السياسيون، فيخرجون باستنتاجاتٍ عمّن يقف وراء هذه الحرب من أجنداتٍ سياسيّةٍ داخليّةٍ وخارجيّة، كما باستنتاجاتٍ عن آفاق نهاية الحرب، وماهي النتائج المترتّبة على ذلك.
هي حربٌ منسيَّة، فالدول الكبرى منشغلةٌ في مأزق الكيان الصهيوني، وكيفية إخراجه منه، بينما الحرب السودانية يشتدُّ لهيبها، مع القصف العشوائي على المدنيين، تلك المآسي، والحرب تدخل شهرها العاشر، تصيب السودانيين البسطاء بالخيبة واليأس القاتل بأنَّ لا نهايةَ على المدى القريب، ويصبّون لومهم على أطراف الصراع، حتى أنّهم لا يعرفون علامَ يتقاتلون، وإذا كانت البنى التحتيّة للمدن، وعلى رأسها الخرطوم قد أصابها الدمار، فما المصلحة الكبرى أو الهدف العظيم من هذا القتال الشرس.
وكلُّ طرفٍ من طرفي الصراع، يصيبه الفخر والغرور حينما يُلحق نصراً نسبياً على الطرف الآخر، ولكن أيّ فرحة نصرٍ مُتوّجٍ بدماء الجنود المُقادون خلف جنرالاتهم، والثمن الفادح؛ أخ يقتل أخاه.
وكما هي الآثار الكارثية لحرب الكيان الصهيوني على غزّة، كذلك هي آثار الفتك البشري في السودان بين قوتين عسكريتين محليّتين، مُدجَّجتين بأحدث الأسلحة.
إنّها الحرب، مهما تكن توصيفاتها عادلةً أم غيرَ ذلك، تُحدث القتل والتشريد والنزوح إلى أبعد ما يكون عن مناطق النزاع، داخل البلاد المحترقة أم خارجها، إذ يُقدّر عدد النازحين في السودان بأكثر من سبعة ملايين شخص، فرّوا إلى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى المحاددتين للسودان، وعدد الذين قُتلوا يُقدَّر بأكثر من أثني عشر ألف، بحسب تقديرات، رُبّما تكون غير دقيقة، كما أنَّ نصف السكان المُقدّر بنحو 50 مليون نسمة، بأمسّ الحاجة إلى معوناتٍ غذائيّة.
بالتأكيد أنّ المواطنين السودانيين يُلقون اللوم أيضاً على المجتمع الدولي، على الرغم من بعض المبادرات الخارجيّة مثل منبر جدّة، بعد انطلاق الحرب بفترةٍ زمنيةٍ قريبةٍ برعايةٍ سعوديةٍ- أميركية، ومن ثمَّ لقاء قمة « إيغاد» وهي هيئةٌ حكوميةٌ للتنمية في دول شرق أفريقيا، واذ إنطوتا من غير تحقيق نتائج ملموسةٍ لتهدئة الحرب تمهيداً لإيقافها، عداهما لم يجرِ تحرّكٌ دوليٌّ واضح، ربما لشعور الأطراف الدوليّة بالخيبة إزاء عناد الطرفين.
والسؤال الرئيس الشاخص: متى تنتهي هذه الحرب، وماهي السيناريوهات المُحتملة لنهايتها. وهنا تذكر تقارير خبريةٌ لوكالاتٍ أجنبيةٍ منها البي بي سي، بأنه بزغت للوجود فكرة المقاومة الشعبيّة، لمساندة قوات الجيش الحكومي بقيادة عبد الفتاح البرهان، الذي رحّب بالفكرة قائلاً:» «التحية لشباب وشابات وأبناء الشعب السوداني، الذين اصطفّوا في خندقٍ واحدٍ مع قواتهم المسلحة والذين انتظموا في كتائب المقاومة الشعبيّة».
ولكنَّ هذه الخطوة المُباركة من طرف الجيش الحكومي تُواجه تحذيراتٍ من قبل أحزابٍ سياسيّةٍ وتجمّعاتٍ نقابية، فضلاً عن مجموعةٍ من الناشطين والحقوقيين» الذين أرسلوا خطاباً إلى هيئات الأمم المتحدة يطالبون فيها بالعمل من أجل وقف التحشيد وتسليح المدنيين، ومن بينها ما عُرف بالمقاومة الشعبيّة. وقالت إنَّ هذه الخطوة قد تؤدي إلى حرب أهليّةٍ شاملةٍ في البلاد.»
أحد السيناريوهات السيّئة لإنهاء الحرب، انقسام البلاد إلى إقطاعيّات، كما تذكر صحيفة «تلغراف» البريطانية. كلّ إقطاعيّةٍ تابعةٍ إلى أحد الأطراف المتحاربة.
ونرى أن أفق نهاية الحرب الأهليّة يتحدّد في سعي كلِّ طرفٍ متحاربٍ إلى ضمّ أكبر مساحةٍ من البلاد إليه، قبل التوصّل إلى حلولٍ لوقف إطلاق النار.
وقد تتدخّل أطرافٌ دوليّةٌ في هذا المسعى لكي تضمن مصالحها الكبرى بحسب مناطق نفوذٍ كلّ طرفٍ متحارب، وبعد ضمان مصالحها، تتدخل لكي تمنع حدوث فوضىً شاملة، بجعل البلاد مقسمةً إلى كونفدراليات ذات حكمٍ اتّحادي.
وإن لم تسعَ أطراف الحرب إلى هذا السيناريو، ستستمرّ الحرب المنسيّة حتى القضاء النهائي على أحد الطرفين المتحاربين، وهنا تبزغ دكتاتورية عسكرية ذات قبضة حديدية تحكم البلاد والعباد، أو يصار إلى وضع البلاد تحت حكم مرحلةٍ انتقالية، تُجرى بعدها انتخاباتٌ ديمقراطيّةٌ تحت إشرافٍ دولي.