عدنان أبو زيد
الدول مثل الأفراد، ينتابها الشعور بالقوة والزهو والغرور، الذي يؤدي الى طيش لطالما صنع الحروب على الأرض.
وكلما استفحل الجبروت، عند القويّ، زادت مخاطر المواجهة، وهي معادلة معروفة، نتيجتها في النهاية، ليست بالضرورة لصالح القوة المطلقة.
في معادلات القوة والتوازن في الشرق الأوسط، يبرز الموقف العراقي، معتدلا، متوازنا، على مستوى النخب والحكومة في ضرورة تجنّب المواجهة في المنطقة. لكن هذا لا يكفي، لان طبول الحرب، تقرع من قبل أطراف، لها مصالحها وستراتيجياتها، مثلما لها صلفها وجرأتها.
في المجمل العام، ترتبط الحروب بالغرور والخيلاء، الناجم عن وهم القدرة على فعل كل شيء بسبب امتلاك القوة المفرطة او التظاهر بها على الأقل. ولنأخذ عينات من التاريخ...
ملأ الغرور، العرب، في كثرتهم، العام 1967 فانهزموا.
وأصاب مرض التكبّر والتشامخ، الاتحاد السوفيتي، وكان قوى عظمى، فانسحب من أفغانستان تحت ضربات جماعات لم ترتق في التنسيق بينها الى مستوى الدويلة.
وليس ذلك بمستغرب، لأنّ المثخن الجراح، صاحب إرادة أيضا، وله أدواته وأذرعه، وعلى قصورها، فإنها يمكن ان تلحق بالمفتول العضلات، أفدح الأضرار، وقد حدث ذلك في الصومال، حيث أفراد عصابات وقراصنة، وقفوا بقوة أمام القوة الامريكية العظمى.
ولو أوغلنا أكثر في التاريخ، لرأينا الأعاجيب في الصراع بين الغطرسة والضعف.
سعى نابليون بونابرت الى الهيمنة على العالم، فتسبّب في هزيمة فرنسا مرتين، وتداعى ذلك الى رفعها الرايات البيضاء في الحربين العالميتين.
هتلر حلم بقيادة العالم، وتمخّضت الأحلام النرجسية التي نسجها بماكنة السلطة، الى نهاية مأساوية، كلفت شعبه، الكثير من الخسائر، والكراهية بين الشعوب.
بل انّ جوزيف ستالين المنتصر في الحرب، والباني للاتحاد السوفيتي العظيم في وقته، كان يعّبر عن الحالة الفوقية التي تميّز بها الساسة وصناع الحروب، في نظرتهم الى الشعوب، إذ يقول انّ حالة وفاة واحدة حادثة، تراجيدية، أما مليون حالة وفاة، فهي إحصائية.
ملك بروسيا فريديرك العظيم، لم يكن يهتم بما يفكر فيه رعيته، ما داموا ينفذون أوامره، الامر الذي دفع النازية الى تقديسه، إرضاءً لغرورها وخيلائها.
وأثمرت عنتريات وغرور معمر القذافي وإسقاطه لطائرات مدنية ودعمه منظمات مسلحة من أموال الشعب الليبي، عن دولة هشة، تجاوزت دول العالم الثالث في تخلّفها، على رغم غناها واتساع ارضها، وكانت النهاية السقوط المريع.
وقادت القوة المتهورة الى الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت، العام 1990، وانتهى الامر الى خراب البلاد.
بل أنّ رؤساء دول مستضعفة شعروا بالزهو غير المبرّر، على رغم قصور الإنجاز، مثل الرئيس الغامبي يحيى جماح الذي قال يوما “إذا كان عليّ أن احكم هذا البلد لمليار سنة، فسأفعل».
وأبرَزَ التطرف عضلات صوتية مغترّة فكريا، في الجوامع والفضائيات، عبر دعاة ركبوا نجومية الشهرة، في نشر الكراهية والتطرف، وجدوا لهم اتباعا في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن ودول أخرى، اشعلوا الحروب التي قتلت آلاف الأبرياء.
والغرور يصيب الشخص، الجاهل والعالم، والأمة المتأخرة والمتقدمة، على حد سواء، ذلك ان الدول التي ارتقت أعلى مراتب الحضارة والتطور، وهي الدول الغربية، لم تنج من هذه الداء، وتعاملت بفوقية مع الشعوب في الكثير من حقب التاريخ، ونصّبت نفسها وصية على الشعوب المقهورة، إمعانا في نهب ثرواتها، مستغلةً قوتها المعرفية وانجازاتها العلمية والاقتصادية.
وبنهاية عصر الاستعمار، تبنّت من جديد، صراع الحضارات، وتفوّق الأسلوب الغربي في الحياة، والسخرية من أفكار ومعتقدات الشعوب، على رغم تبنيها مبادئ الديمقراطية والعدل.
العالم اليوم، يحتاج الى القوة غير المتعجرفة التي تفتّت صخرة التعصب والكراهية، تحسن استخدام أذرع الجبروتية
في اعلاء قيم الإنسانية والأخلاقية، ذلك انّ التاريخ يعلّمنا، ان القوة مهما بالغت في استعراض عضلاتها، فإنها لن تصمد أمام الزمن الكفيل بإحداث التغيير في المستقبل، مهما طال التشبث بقوة الحاضر.