نحو نظامٍ عالمي للحماقة

آراء 2024/01/31
...

 أ.د عامر حسن فياض

الحماقة كما قالها افلاطون تعني التهور، والأخير شكل من أشكال الغباء. وللحماقة المطعمة بالغباء والتهور تاريخ طويل، فقد جاء في سردية تراث الغباء عن حكم قراقوش أن جنديا نزل في مركب، وكان به فلاح وزوجته وهي حامل في سبعة أشهر فصدمها الجندي وأسقط حملها فأخذ زوجها يشتكي منه إلى قراقوش، فقضى على الجندي أن يأخذ الزوجة ويطعمها ويكسوها ولا يعيدها إلى زوجها، إلا وهي حامل في سبعة أشهر!

كيف يمكن توصيف حكام دولة بغير صفة الحماقة المطعمة بالغباء والتهور، عندما تصر الولايات المتحدة الامريكية أن روسيا الاتحادية سوف تنهزم أمام أوكرانيا! وأن الصين سوف تندحر ببيدق تايوان! وان لإسرائيل الرحمنة! ولإيران الشيطنة! وأن هناك امكانية ليكون لبنان المستقبل بلا حزب الله! ولتكن فلسطين سلطة من دون مقاومة! وان مستقبل العراق الآمن والمستقر مرهون بوجود قواعد عسكرية أمريكية! وأن ازدهار الملاحة في البحر الاحمر لايتحقق دون العدوان على اليمن! وأن سكة قطار التطبيع صالحة للاستخدام!.

إنها وقاحة مطعمة بالغباء والتهور هي عناد نتنياهو باستمرار عدوانه على غزة، لتتراجع الرواية الصهيونية وتتقزم حجماً ووزناً، ولتكبر القضية الفلسطينية وتنبعث من جديد بوصفها قضية تحرر وطني مقاوم، ضد آخر أشكال الاستعمار الاحتلالي (القديم /الجديد)، حيث لا أمن ولا استقرار دون إنهاء الاحتلال..

وهي وقاحة مطعمة بالغباء والتهور، هذا السكوت الرسمي العربي عن العدوان الفاشي الصهيوني الامريكي على غزة، وهذا الخنوع والخذلان الرسمي العربي المراهن على التوتر المصطنع بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني. والحقيقة أنه لأول مرة إسرائيل تتحسس انها أمام خطر وجودي في ظل عالم امريكا فيه تتهور وإسرائيل فيه تتكسر.

نعم انه عالم اليوم هو عالم الحماقة، حيث يصل الاغبياء والمتغابون إلى كراسي الحكم وقد عرفنا عبر التاريخ، أكثر من طريقة لوصول هؤلاء إلى الحكم، مثل طريقة التوريث المباشر لملوك وتوريث غير مباشر لأبناء رؤساء جمهوريات وبطريقة اختيار الحاكم بنفسه لنائب له، بوصفه خادما مطيعا لسيده الذي اختاره، وطريقة موافقة الناس على شخص لا يمتلك اي مواهب أو قدرات سوى انه صاحب خلفية عسكرية يوافق عليه الناس، طلباً للامن والأمان ثم يكتشفون بعد فترة أنه كان أمانا وهميا وواهيا.

في عالم الحماقة يفوز المستبد ورهطه من المتملقين، سواء كانوا أغبياء أو مدعي الغباء لأن سياسة عالمنا المعاصر تكره العلماء والاذكياء. فالمستبد كما قال عبد الرحمن الكواكبي يكره العلماء والأذكياء، ويحب الحمقى والجهلاء، لأنه يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علماً، لذلك يبحث المستبد عن الغبي المتسلق، ويضعه اينما يشاء دون أن يناقشه أو يزعجه، ودون أن يقلق من انقلابه عليه وعلى هذا الاساس قال ابن خلدون بحق عبارته «فاز المتملقون».

إن شرط النجاح والبقاء في عالم التفاهة أو الفوضى الذي اراده الغرب للشرق أن يكون الشرق اتباعياً لا ابتداعياً، تابعاً لا رائداً، محافظاً تقليدياً لاثورياً مقاوماً وموالياً لا معارضاً.

في عالمنا اليوم أصبحت الحماقة في قمتها، وقد وصل الغباء اقصى مداه ! انه عالم يرى المعارض خائناً، والمختلف عميلاً، والرافض مأجوراً، والثوري خارجاً عن القانون.

أخيراً فإن الحماقة السياسية في عالمنا المعاصر هي حاصل جمع كل امراض السلطة في كل زمان وفي كل مكان، وهو مرض نجده لدى المستبد والطاغية والمعزول والمغرور ومدمن السلطة والعنيد، وهناك عشرة امراض تعد سببا أو نتيجة لغباء السلطة، وهي مرض الهاجس الأمني ومرض عزلة السلطة ومرض افتقار الحياة الطبيعية للسلطة، ومرض تضخم ذات المتسلط، ومرض إدمان السلطة ومرض الفساد، ومرض العناد، ومرض التأله، ومرض الجمود ومرض الافلاس ومرض الشيخوخة ومرض عبادة الأبناء.

هكذا نحن نعيش عالم يراد له غربيا أن يكون، اما عالم تفاهة أو عالم فوضى وفي الحالتين سيكون كذلك طالما انه عالم يدار من قبل الحمقى.