أكثر من 115 يوماً من العدوان على غزة.. من الرابح؟

آراء 2024/01/31
...

 محمد صالح صدقيان 

 أمريكيًّا؛ فإن استمرار الموقف الامريكي راهنا يضر بمصداقية الولايات المتحدة في المجتمع الدولي. لا حل.. ولا مقترحات للحل... ولا توسيع لنطاق الحرب ! ؛ بل التسليم للرواية الاسرائيلية باستمرار الحرب ضد المدنيين؛ وان الخلافات بين واشنطن وتل ابيب حقيقة لاتقبل الجدل وما جنته زيارة وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن الاخيرة لاسرائيل كان فشلا ذريعا حيث كان الخلاف سيد الموقف علی حد تعبير اعلام الكيان. 

مائة وخمسة عشر يوماً انتهت بكل مأساتها في العدوان الاسرائيلي علی غزة ؛ ويطلب العدو فرصة أخری، من اجل تحقيق أهدافه التي لم تتحقق خلال هذه المدة. يقاتل من اجل تحقيق اي من أهدافه، ولو بنسبة 20 بالمئة، لكنها لم تتحقق. ثلاثة اهداف استراتيجية وضعتها حكومة العدو العسكرية. القضاء علی حركة حماس في غزة هذا هو الهدف الاول ؛ والقضاء علی جناحها العسكري «القسام» ؛ والهدف الثالث الافراج عن الرهائن عند حماس. لم يستطع الكيان تحقيق أي من هذه الاهداف ولو بنسبة معينة. هذه الهزيمة لا تقل اهمية عن اهمية الهزيمة التي مني بها الكيان في السابع من اكتوبر، عندما تمكنت مجموعة من المقاومين الدخول الی غلاف غزة، وأخذ رهائن ودحر الجيش الاسرائيلي الذي قيل عنه «الجيش الذي لايقهر». ومن الهزائم الإسرائيلية الاستراتيجية التي أوجع بها رؤوسنا هي «قضية الاخلاق» التي كان يسوقها منذ خمسين عاما؛ والنموذج الذي كان يريد تصديره للخارج أن الجيش الاسرائيلي جيش يحمل «أخلاقا». وعندما كان الفلسطينيون يقولون إن الجيش الاسرائيلي لايحمل ادنی أخلاق كانت التهم توجه لهم بأنهم ضد السامية؛ ومن أراد في المجتمع الدولي أن يعترض علی هذا التصور، فإنه يلاقي المزيد من الضغط والابعاد بسبب تهمة معاداة السامية التي توجه له؛ لكن بعد اجتياح قطاع غزة سقطت هذه الإدعاءات بما شهده العالم من قتل واستهداف الاطفال والنساء والصحفيين والمدنيين. واذا كان الكيان يملك كلَّ شيء، فإنه أثبت بانه لا يملك شيئا اسمه «الأخلاق». وفي المحصلة فان هذا الكيان الذي فشل بتحقيق اهدافه خلال المئة يوم الأولی، فانه وبحسب عديد المراقبين العسكريين والسياسيين لايستطيع تحقيق تلك الاهداف في 100 شهر؛ الا عبر وقف اطلاق النار واللجوء لطاولة المفاوضات مع حركة حماس وبقية المقاومين حيث ذكرت القناة الرسمية الاسرائيلية أن العسكريين الامريكيين الذين يتعاملون مع نظرائهم في تل ابيب، يشيرون لهم باستحالة تحقيق اهداف الحرب التي اعلنوها؛ واذا توفرت لهم الفرصة في الدخول لملاجئ الرهائن فانهم لن يجدوهم أحياء وهذا قرار اتخدته فصائل المقاومة في غزة؛ الأمر الذي يحرك الغضب الداخلي ضد نتنياهو وحكومة الحرب التي شكلها. 

أمريكيًّا؛ فإن استمرار الموقف الامريكي راهنا يضر بمصداقية الولايات المتحدة في المجتمع الدولي. لا حل.. ولا مقترحات للحل... ولا توسيع لنطاق الحرب ! ؛ بل التسليم للرواية الاسرائيلية باستمرار الحرب ضد المدنيين؛ وان الخلافات بين واشنطن وتل ابيب حقيقة لاتقبل الجدل وما جنته زيارة وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن الاخيرة لاسرائيل كان فشلا ذريعا حيث كان الخلاف سيد الموقف علی حد تعبير اعلام الكيان. 

في ظل هذه الأجواء يبرز سؤال هل تستاهل نتائج السابع من اكتوبر كل هذه الضحايا والقتل والتخريب والدمار؟ وماذا بعد ذلك؟ هذا سؤال منطقي جدا؛ لكن المنطقي ايضا ان التحرير والخلاص من الاستعباد والتمييز العنصري والاحتلال يستاهل اكثر من ذلك. وتجارب الشعوب علی مدی التاريخ تتحدث عن مثل هذه الضرائب ليس في منطقتنا وإنما في جميع ارجاء المعمورة في فيتنام.. في الجزائر.. في افريقيا.. في آسيا وحتی في أوروبا والقائمة تطول مع المستعمر الانكليزي والاخر الاسباني والفرنسي والأمريكي والايطالي والالماني وهكذا. قضية فلسطين ليست قضية عابرة انها قضية مقدسات دينية وارض محتلة وقبلة أولی للمسلمين ومولد السيد المسيح ناهيك عن التداعيات السياسية للاحتلال التي اثرت علی جميع دول المنطقة بشكل أو بآخر منذ 75 عاما. 

أما ماذا بعد؟ هل سيتحقق السلام؟ قبل الاجابة علی هذه السؤال ؛ عن اي سلام نتحدث؟ هل نحن نتحدث عن السلام بالمقاسات الاسرائيلية ام الغربية ام الفلسطينية؟ الاعتقاد السائد ان الدول الغربية وتحديدا الامريكية تحاول طرح مشاريع سلام وهي عملت بهذا المسار منذ سبعينيات القرن الماضي لكنها كانت تصطدم ليس بالرفض الفلسطيني وانما بالرفض الإسرائيلي، لكنها كان تٌوضع برسم الفلسطينيين والعرب لاسباب متعددة. ومن خلال التاريخ فإن اسرائيل لا تريد السلام؛ ومن يعتقد غير ذلك فانه يعيش في سراب لان الكيان رفض كل مشاريع السلام؛ واليوم يرفض مشروع حل الدولتين. انه وافق علی السلام الابراهيمي لانه مفصل علی مقاساته بعد ان اعلن الكيان الاسرائيلي «دولة يهودية».

ونحن نتحدث عن أكثر مئة يوم من العدوان يتم الحديث في اكثر من عاصمة، وحتی في داخل الكيان عن «نهاية المشروع الصهيوني» حتی ان اسقاطات ظهرت علی لسان الرئيس الامريكي جو بايدن تقول «لو لم تكن اسرائيل موجودة لخلقنا اسرائيل اخری» وهو اسقاط تحدث عنه الرئيس بايدن عن امكانية سقوط الكيان. 

فلسطينيا؛ اعطت الاحداث والتطورات دفعا للقضية الفلسطينية بعدما انحسرت في اجواء التطرف والتشدد اليميني الاسرائيلي وبناء المستوطنات؛ وما قامت به الولايات المتحدة من جهود لتنفيذ «صفقة القرن» والتداعيات التي عاشتها الامة العربية بعد «الربيع العربي» وسقوط انظمة سياسية كانت تشكل في يوم من الايام دول «الصمود والتصدي»، التي صنفت بعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس عام 1977 وانهيار جيوش هذه الدول.