جينيفر ناليويكي
ترجمة: شيماء ميران
اكتشف علماء الآثار حديثاً معبدين توأمين مدفونين فوق بعضهما في مدينة جيرسو القديمة جنوب العراق، (الواقعة شمال مدينة الناصرية في محافظة ذي قار وتسمى حاليَّاً بتل تلو). يعود تاريخ المعبد المكتشف الى القرن الرابع قبل الميلاد من العصر الهلنستي. يرتبط احدهما بـ {هرقل} امبراطور الامبراطورية البيزنطية والملك المقدوني {الاسكندر الأكبر}.
يحتوي المعبد على طوب حراري منقوش عليه باللغة الآرامية والاغريقية نقوشاً تعني "مانح الاخوين"، والذي يكون من المحتمل هو "الملك المقدوني" الذي غزا جزءاً كبيراً من العالم المعروف اثناء فترة حكمه التي امتدت الى ثلاثة عشر عاماً بدءاً من العام 336 وحتى العام 323 قبل الميلاد. لقد عثر علماء الآثار من المتحف البريطاني في لندن على المعبد الأقدم بين الاثنين اثناء قيامهم بعمليات التنقيب في مدينة "كرسو، أو كما يسميها البعض جيرسو"، المدينة السومريَّة المعروفة باسم تيلو في جنوب العراق، وان عمليات التنقيب هذه هي جزءٌ من "مشروع كرسو" الذي يركز على معرفة المزيد عن تاريخ المدينة.يشير "سيبستيان راي"، عالم الآثار وأمين مكتبة بلاد ما بين النهرين القديمة في المتحف البريطاني والذي قاد أعمال التنقيب في رسالته الالكترونية الى موقع (Live Science- لايف ساينس)، الى انه تم العثور على بقايا المعبد السومري الأقدم في المكان نفسه تماماً الذي يضم مبنى المعبد الأحدث، والذي كان مخصصاً إلى "الإله اليوناني هرقا" ونظيره السومري "الاله البطل نينجيرسو" المعروف ايضا باسم نينورتا.
يؤكد الباحثون أنّ حقيقة بناء معبد في الموقع ذاته الذي كان يضم معبدا آخر قبل 1500 عام لم يكن صدفةً، بل ينبغي ان يكون هناك بعض الاهمية للموقع لدى شعب بلاد ما بين النهرين.
يقول "راي": "يبدو أنّ سكان بابل خلال القرن الرابع قبل الميلاد كانت لديهم معرفة واسعة بتاريخهم. رغم أنّ تراث السومريين كان لا يزال مفعماً بالحيويَّة". كما اكتشف علماء الآثار اثناء عمليات التنقيب في موقع المعبد المزدوج قطعة من عملة "دراخما" فضيَّة، وهي عملة يونانية قديمة كانت مدفونة تحت مذبح أو مزار، فضلا عن طوب منقوش عليه نقش الأخوين.
حقيقة الوجود في بابل
يوضح "راي": "ما جعل النقوش مثيرة للاهتمام هو أنّها تذكر اسماً بابليَّاً غامضاً مكتوباً باللغتين الاغريقية والآرامية. ويبدو أنَّ اسم (أدادنادينخيه)، والذي يعني "أدد" مانح الإخوة، وهو لقب احتفالي تمَّ اختياره نظراً للهجته القديمة ودلالاته الرمزيَّة. وتشير جميع الأدلة الى حقيقة وندرة هذا الاسم".
يوضح "راي": "أنَّ النقش بحدِّ ذاته يشير الى "زيوس"؛ إله السماء اليوناني، الذي كان غالباً ما يرمز له بالصاعقة والنسر، كما أمكن العثور على هذين الرمزين في عملة تمَّ سكّها في بابل خلال عهد الاسكندر الأكبر. وتُظهر النقوش صورة الإمبراطور هرقل بهيئة شاب حليق الذقن، التي تذكر جيداً بالصور التي كانت تجسد شخصية الاسكندر من جهة وزيوس من جهة أخرى". مضيفاً: "لقد اعترف زيوس من خلال عرَّافات "آمون" باِبنه الإسكندر. واصبح هو المقصود بدقة بلقب مانح الإخوة، لأنه أكد الرابط الأخوي بين الإسكندر وهرقل".
ورغم أنَّ الباحثين غير متأكدين بالفعل من زيارة الملك المقدوني هذا المكان، إلّا أنَّ "راي" له رأي آخر: "ربما تكون قد أتيحت للملك فرصة الذهاب الى هناك؛ أما اثناء اقامته في بابل، أو عند انعطافه في طريقه الى مدينة سوسة. والجدير بالذكر أنّه كان قادراً على دفع الرواتب لجنوده خصوصاً بعد الاستيلاء على بابل والسيطرة على خزائنها.
ما يعني ان الاسكندر وجنرالاته كانوا مسيطرين على ثروات المنطقة، ويبدو أنّهم استخدموا الفضة البابلية لسك العملات المعدنيَّة التي كانت تستخدم في المدينة".فضلا عن القطع الاثريَّة فقد عثر الباحثون على تماثيل لقرابين كانت تقدم عادة بعد المعركة، ومن بينها تماثيل طينيَّة للجنود.
يقول "راي": "لا بدَّ أنَّ التماثيل المستردة، التي تم نحتها في عدة اماكن من العالم في العهد الهلنستي، ينقلها الزوّار أحياناً الى المعبد، ومن بينها تماثيل الفرسان المقدونيين الذين يمتطون الخيول ممن كانت تربطهم علاقات قوية بالاسكندر. كما يمكن ربطهم أيضاً بعبادة أبطال الحرب".
وفي الختام يقول "راي": "إلى جانب الاشارات الواضحة على وجود لمتعلقات الاسكندر في الضريح، قد يشير الى احتمال مثير للاهتمام بأنّه قد يكون للاسكندر دور فاعل ومباشر في إعادة تأسيس المعبد، أو أنّه يضمَّ تمثال الملك المقدوني الراحل بعد وفاته المبكرة".
عن موقع لايف ساينس