فائق يزيدي
مما لا شك فيه إن الوجود الامريكي متعلق بالأمن القومي العراقي والسيادة العراقية وهو ما يعني ضرورة مراعاة هاتين النقطتين في هذا الوجود سواء كان عسكريا أو حتى دبلوماسيا، وبدء الجانبين بحوارات لإنهاء الوجود العسكري للتحالف الدولي، يعني انهاء الوجود الأمريكي العسكري لكن لا يعني بالضرورة إنهاء وجوده الدبلوماسي والأمني، أي أننا قد لا نزال بحاجة لمدربين ومستشارين أمريكيين لكن بأعداد أقل وهذا ما ستتم مناقشته في الحوارات بين بغداد وواشنطن، وهنا أيضا يجب أن نتذكر أن رئيس الوزراء السوداني أكد على عدم الحاجة لقوات التحالف الدولي، دون ذكر الامريكيين بشكل خاص.
العلاقة العراقية الأمريكية بعد 2003 خيار استراتيجي للجانبين واتفاقية الاطار الاستراتيجي التي أبرمت في 2008 وبموجبها انتهى الاحتلال الأمريكي في 2011، هي التي يجب أن يلتزم الجانبان بها لبناء علاقة مستقبلية بينهما لا تشوبها الشوائب كما الآن، فالولايات المتحدة بعد 21 عاما على إسقاط نظام صدام حسين تدرك أن عراق اليوم ليس بعراق ذاك الوقت، وأن التجربة الديمقراطية في العراق نضجت بشكل كاف لتغيير شكل العلاقة بين الجانبين، وان تدخل مرحلة جديدة مع العراق من الشراكة يكون أساسها الاحترام المتبادل والمصالحة المتبادلة، وبلا شك واشنطن أعلنت أكثر من مرة على الحاجة للشراكة مع بغداد وأهمية العراق في المعادلات الاقليمية والدولية بمنطقة الشرق الأوسط.
حوارات الخروج العسكري الأمريكي وباقي دول التحالف الدولي تحتاج إلى جدولة للتوصل إلى تنفيذ هذا الخروج كما كان حال الحوارات لخروج القوات الامريكية في 2011، ويجب الأخذ بعين الاعتبار توفير البيئة اللازمة لإنجاح هذه الحوارات، فعلى الادارة الأمريكية عدم نقل صراعها في غزة إلى الارض العراقية، وأيضا على الحكومة الاتحادية العراقية أن تعمل على توفير البيئة الآمنة بما يضمن سلامة الأمريكيين لحين خروجهم.
بدء الحوارات يؤكد أن هناك رغبة أمريكية لبناء علاقة جديدة مع العراق، سواء كانت طوعية أم تحت تأثير ضربات الفصائل العراقية للقوات الامريكية في العراق أو سوريا على خلفية الحرب في غزة والتي جزء من حرب دولية بين الولايات المتحدة وروسيا في أوروبا وتحديدا في أوكرانيا، لكن يمكننا ان نتلمس هذه الرغبة أيضا باستبدال واشنطن سفيرتها لدى العراق الينا رومانسكي بسفيرة فوق العادة وهي تريسي آن جاكوبسون، حيث يجري هذا الاستبدال في الايام القليلة المقبلة، وجميعنا يعرف ماذا يعني سفير فوق العادة في العلاقات الدبلوماسية وما الصلاحيات التي يمتلكها لتمثيل بلاده ولعل أبرزها ان السفير فوق العادة يمتلك صلاحية إبرام الاتفاقات مع حكومة الدولة التي يمثل بلده فيها.
في مرحلة ما بعد الخروج الأمريكي فإن اتفاقية الإطار الاستراتيجي يجب أن تؤطر العلاقة بين الجانبين وتحدد طبيعة الوجود الأمريكي وفق القوانين العراقية، وهذه الاتفاقية تتضمن الكثير من التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية وغيرها ولا يقتصر شكل العلاقة على الأمن والمجال العسكري، أي أن على الجانبين الالتزام بأسس العلاقات السليمة بين الدول والحكومات وعدم إلحاق الضرر ببعضهما البعض، وقبل هذا وذاك نحتاج في العراق إلى توحيد الصف الوطني وأن يكون هناك إلزام للقوى السياسية المختلفة بعدم التغريد خارج السرب العراقي في العلاقة مع واشنطن مستقبلا، وأن يكون هناك أيضا التزام أمريكي بعدم التعامل مع قوى وجهات سياسية عراقية بمعزل عن الحكومة الاتحادية، وألا تنقل أزماتها ومشكلاتها الاقليمية إلى العراق وتجعله ساحة لتصفية الحسابات مع الدول الاقليمية، فعلاقة الادارة الأمريكية هي مع الحكومة الاتحادية العراقية التي تمثل الدولة وهي المسؤولة عن هذا
البلد.