دكاكين

ثقافة شعبية 2024/02/01
...

كاظم غيلان

اتخذ (صاحب) وكنيته (ابو محمد) دكاناً له في حي الجديدة بمركز مدينة العمارة، ليكون مكاناً لتواجده غير المنتظم طبعا بحكم ولعه بالأخبار الفورية عن أية حالة وفاة تحصل، مع تحديد مكان الفاتحة المقامة على روح المتوفى. وكان دكان صاحب خاليا من اية بضاعة، فقد رصف علبا زجاجية على رفوفه تحتوي قوائم بأسماء الموتى، وبهذا فقد كان منافساً لدائرة الطب العدلي.
يتمتع صاحب بشخصية مفرطة الكياسة، حافظا لشعر (المتنبي) عن ظهر قلب، قليل الكلام، ولربما كان يكتفي بما توحي به عينيه البارزتين.
يوم اخرج الصديق المسرحي (فاضل سوداني) مسرحية - حفار القبور- دعي صاحب لحضور حفل عرضها، وقام باستقباله من باب القاعة حتى أجلسه جنب (السيد المحافظ) في حركة أغاضت مسؤولي المدينة الذين آمنوا بأن مقاعد الخط الأول جزء من ممتلكاتهم وممتلكات (الخلفوهم)، إلا أنها مبادرة أسعدت الحضور بإهانتهم وسجلت لصالح فاضل وانتصارا لمؤرشف أمواتنا.
كتبت في رحيله رثائية جاء في بعضها:
(الموت أوكح من وكح
ظل يأخذ الزينين
وحنه نعاتب
يا (صاحب) السافرت
ماظل صاحب.)
وعودا على بدء، فقد كان دكان صاحب شاخصا في ذاكرتنا، كسائر الدكاكين التي تشكل دلالة، لها زبائنها، ولها وقائعها وحكاياتها التي ظلت قيد تداول أبناء أحياء المدينة.
ولأغراض في نفوس اصحابها نطالع بعض التحذيرات على واجهات معظمها كـ (الدين يضيع المال والصديق) أو (لا يسمح بالوقوف امام باب المحل) مثلا، من باب تفادي الاحراج.
في الثقافة دكاكين ايضا، ولها زبائنها. ولها رفوف أيضا رصفت عليها علبا تحتوي أسماء الموالين لأصحابها، ولأصحاب هذه الدكاكين أرصدة يجهلها الجميع، فهي لم تودع باي من المصارف المعروفة كـ(الرافدين) و(الرشيد) إلا أنها تفتضح في يوم (العرس الانتخابي) فإن أفلس صاحب الدكان قام بتصفير الحساب معلنا عن فضيحة نكث العهد الذي قطعته له الزبائن- الزملاء بعد أن أوهموه بنعمة الفوز. وفي حالة ربحه فسيتسع الدكان ليصبح (سوبر ماركت) ويوزع مسؤولياته بين الزملاء الذين حشدوا لفوزه (الساحق) ويسارع لاستيراد المزيد من (المساحيق)، التي من شأنها اضفاء جماليات لزبائن الجولة القادمة على أمل الفوز في عرس قادم. في هذه الدكاكين أختام وهويات تصرف لـ(اليسوه والمايسوه) كرصيد انتخابي.
وعلى خلاف الدكاكين الأولى تسمح هذه الدكاكين بالدين وتمنح سلفا تسدد ب (التقسيط المريح) ولربما يتم إطفاء المتبقي في حال فوز أصحابها يوم (العرس) الانتخابي، وما أكثر أعراسنا التي تشكل العكس والضد لفواجعنا التي احتفظت بها تلك العلب الزجاجية في دكان صاحب.