عبد الزهرة محمد الهنداوي
يبقى القطاع المختلط حائراً بين القطاعين العام والخاص، فالأول يقول إنَّ نسبة تمثيل الثاني في مجالس الإدارة هي الأعلى، وبالتالي هو ضمن القطاع الخاص، وهذا الثاني يرد بالقول، نعم، تمثيلنا أكبر، لكنَّ القرار والرأي الأخير للقطاع العام، وبين هذا القول وردّ القول ذاك، يواجه القطاع المختلط صعوبات وتحديات كثيرة، تسببت بتراجع دوره التنموي بنحو واضح، ولم نعد نسمع له صوتاً، في خضم الضجيج المختلط، القادم من مختلف الاتجاهات، وإذا ألقينا قليلاً من الضوء على جانب من تاريخ القطاع المختلط في العراق، فإننا سنجد الكثير من الجوانب المشرقة، سواء في الجوانب الخدمية أو الصناعية والإنتاجية، وهناك أسماء شركات ومراكز خدمية كانت تمثل بصمة في المشهد التنموي العراقي على نحو العموم، ولكن يبدو أنَّ المسارات تغيرت، فهناك من يتحدث بعدم الحاجة لوجود هذا القطاع، على اعتبار أنَّ القطاع الخاص قادر على النهوض بالمهمة، وبالتالي فإنَّ الواقع يستدعي خصخصة جميع فعاليات القطاع المختلط!!
فهل سيكون إجراءٌ مثل هذا صحيحاً؟ بتقديري أنَّ المساحة التي ما زال القطاع المختلط يشغلها، وأهمية منتجاته وخدماته، ليست من السهولة بمكان الذهاب باتجاه ردم هذه المساحة الشاسعة، إذ سيخلق ذلك مشكلة وارتباكاً، وربما خللاً بنيوياً جديداً، سيصيب الجسد التنموي في العراق، إنما ينبغي البحث عن إجراءات أخرى يمكن من خلالها إعادة الحيوية إلى القطاع المختلط، ذلك إذا ما علمنا أنَّ أفضل الفنادق الموجودة حالياً في العاصمة بغداد، هي ضمن هذا القطاع، ومن جانب آخر، فإنَّ القطاع الخاص يمكن أن يكون له شأن مؤثر في عملية الإدارة، ذلك لأنَّ النسبة الأكبر من الهيئات الإدارية هي للقطاع الخاص، ولذلك فإنَّ بالإمكان أن يكون القطاع المختلط ممثلاً في مجلس تطوير القطاع الخاص، الذي تأسس مؤخراً، ويرأسه رئيس مجلس الوزراء، ومن المؤكد أنَّ وجود القطاع المختلط في هذا المجلس سيكون مهماً، في ضوء أهمية الفعاليات التي يضطلع بها هذا القطاع، كما أنَّ وجوده يمكن أن يسهم في حل ومعالجة المشكلات التي يعاني منها والمتراكمة عبر فترات زمنية مختلفة، ومنها تراكم الديون المتعلقة بالضرائب، وتلك المترتبة على الوزارات، وغيرها، وليس بعيداً عن ذلك، فإنَّ بعض شركات القطاع المختلط تعاني تقادم خطوطها الإنتاجية، لذلك فهي بحاجة إلى تحديث وتطوير وتوسعة هذه الخطوط، وإضافة أخرى جديدة، وبطبيعة الحال، فإنَّ ذلك يتطلب تمكيناً مالياً، وهذا التمكين يمكن أن يتحقق من خلال شمول هذه الشركات بمبادرة البنك المركزي العراقي، بمنحها قروضاً ميسّرة، بفوائد مالية متهاودة، لكي تتمكن من الحصول على المواد الأولية وتوفير مستلزمات الإنتاج.
وإزاء ما تقدم، فإننا بحاجة إلى وقفة جادة، من أجل إعادة النظر بتمكين القطاع المختلط، يتمخض عن هذه الوقفة، اتخاذ الكثير من الإجراءات والقرارات، بعضها يتصل بالجانب التشريعي، فثمة حاجة إلى تشريعات جديدة تواكب متطلبات المرحلة، وبعضها الآخر يتعلق بدراسة واقع حال جميع الفعاليات الخدمية والإنتاجية والصناعية، المنضوية تحت لواء القطاع المختلط، على أن تكون هذه الدراسة لكل فعالية على حدة، فقد نكون أمام فعاليات غير ذات جدوى، وهذه ينبغي أن تتم معالجتها وفق صيغة قانونية مناسبة، وأخرى غيرها تمثل فعلاً تنموياً مهماً، وهذه يجري العمل على دعمها وتقويتها، وكل ذلك ينبغي أن يدخل في مسارات الإصلاح الاقتصادي، والتحول التنموي السليم.