حفلة (فَـلـَـقـة) للنجوم
علي رياح
بإمكانك أن تتخيّل المشهد بكلِّ تفصيلاته وتداعياته وامتدادات أخرى ستترتّب عليه، لمجرد أن تقرأ في يومنا هذا على أعمدة ما يتبقى من صحف ورقية أو في وسائل التواصل الاجتماعي تحليلاً كروياً يصل فيه الكاتب إلى القناعة في خاتمة المطاف بضرورة أن تتلقّى نخبة من النجوم وجبة (فلقة) ساخنة لا لسوء سلوكهم داخل الميدان أو خارجه، وإنما لأنهم اجتهدوا خلال واحدة من المباريات فأخطؤوا ودفع فريقهم الثمن في صورة خسارة حتى لو كانت أمام فريق كبير ومتمرّس وحاشد بالنجوم.
كنت أحمل بين يديَّ نسخة من صحيفة (الملعب) في عناية شديدة كمن يحمل وليداً غضاً، ورقها المصفَر المتهالك يكاد يتقطـّع لمجرد اللمس من فرط قِدمها، وأطارد سطور الوصف التفصيلي لمباراة القوة الجوية العراقي مع ضيفه الطيران المصري والتي أقيمت على ملعب الكشافة في شباط عام 1965. استوقفني كثيراً وطويلاً المانشيت الرئيس على الصفحة الأخيرة (عمو بابا وحامد وصاحب.. بحاجة إلى فلقة) لم يحمل الوصف اسماً لكاتب، لكنني لم أكن في حاجة إلى الاستعلام عن هويته، فأغلب الظن أنه أستاذنا الكبير الراحل إبراهيم إسماعيل الذي كان يملك في روحه وقلمه ومِداده قدراً من الجرأة الممزوجة بالدعابة، يفتقر إليه كثيرون غيره.
كان المقال يُعدّد الأخطاء التي ارتكبها فريق القوة الجوية الذي خسر المباراة بهدف مقابل هدفين، ويُحمّل هؤلاء النجوم الثلاثة الكبار مسؤولية الخسارة. فطبقاً للكاتب كان عمو بابا يستحق (الزوبة) لإخفاقه في تسديد ركلة الجزاء وإضاعة الفرصة على فريقه وبالتالي تبديل نتيجة المباراة كلها.. وصاحب خزعل يتحمّل نصف المسؤولية في تسجيل الإصابة الثانية على فريقه عندما ترك نفسه لقمة سائغة لشحتة (النجم المصري الشهير).. أما حامد فوزي فيتحمّل هو الآخر نصف مسؤولية تسجيل الإصابة الثانية لأنه لم يخرج في الوقت المناسب لقطع الكرة.
يصل الكاتب إلى خلاصة مفادها أنه لو كان ولي أمر اللاعبين لأمرَ بضربهم فلقة ساخنة للأخطاء التي ارتكبوها. ومن يدرك طبيعة التناول النقدي الذي كان سائداً في ذلك العهد الصحفي، لحاول البحث عن مبرر للكاتب في ما ذهب إليه، فلقد كان مألوفاً للغاية أن يمتزج الجد بالهزل، وأن تطغى مفردات التعامل اليومي في المحلة والمنطقة بسهولتها وظرافتها حتى على المقالات الرصينة. ومن يعرف مكانة كاتب مهم مثل الأستاذ إبراهيم إسماعيل يدرك أنه لم يكن جاداً بقدر ما كان يُعبّر بأسلوبه الساخر عن وجع إزاء تلك الأخطاء التي ارتكبها كبار النجوم في ذلك الزمان.
هل يمكن في يومنا هذا أن نعيد إنتاج ذلك التناول النقدي أو التحليلي لخسارة أو حتى هزيمة يُمنى بها فريق؟ هل يجرؤ كاتب في صحيفة من العيار الثقيل أن يُطلق دعوة إلى إقامة (حفلة) يتلقّى فيها النجوم ضربات الفلقة عقاباً على سوء الأداء.
سيكون المشهد نسجاً من الخيال، بل لعله من المستحيلات الثلاثة: الغول والعنقاء والخِـلّ الوفي، على رأي أشقائنا المصريين.
فلقد تغيرت الدنيا ومَنْ عليها، حتى في التناول النقدي الكروي.. مانشيت كالذي نشرته (الملعب) قبل تسع وخمسين سنة سيعني اليوم حالة من الهيجان الإلكتروني الذي تتحرّك فيه الجيوش، ومؤكد أنَّ (حِوار) العشائر بين الكاتب واللاعبين لن يكون بعيداً عن هذا التحرك.