ساطع راجي
لم تتطرق السيدة جنين بلاسخارت في خطابها أمام مجلس الأمن يوم الثلاثاء (6 شباط) إلى التقارير الصحفية المتداولة عن الفساد، الذي يشوب عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) التي ترأسها السيدة بلاسخارت، رغم ان الحكومة العراقية قد فتحت من جانبها تحقيقا في الموضوع، بالإضافة إلى ان الأمم المتحدة نفسها قد باشرت تحقيقا مماثلا، لكنها فقط بدأت بالتلويح للعراقيين بانها ستغادر منصبها بعد خمس سنوات من المكوث فيه.
الفضيحة بدأت بتحقيق استقصائي نشرته صحيفة الغارديان، ويكشف عن مشاريع وهمية وتخادم ورشاوى وابتزاز وضغوطات تهيمن على عمل البعثة الأممية، وتبين أن هناك عشرات القضايا التي جرى التحقيق فيها فعلا من قبل الأمم المتحدة نفسها بالإضافة إلى اهمال شكاوى وقضايا أخرى، والتفاصيل المنشورة مفزعة لأكثر من سبب، فهي تعيد للأذهان التلاعب واستغلال برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق، خلال تسعينيات
لقرن الماضي لتذهب الكثير من الأموال لقيادات المنظمة الدولية بدلا من توجيهها لمساعدة العراقيين في أشد أزماتهم عبر التاريخ، كما أن بعثة الأمم المتحدة تمثل جهة يحتكم إليها في الكثير من القضايا العراقية الحساسة والفضيحة الاخيرة تدفع إلى إعادة النظر في توصياتها ومواقفها، والبعثة هي شريك في عملية التوجيه لمكافحة الفساد في العراق وتورطها في الفساد ينسف تلك الشراكة، ومن نتائج هذه الفضيحة إن البعثة تفقد وضعها كجهة حيادية وداعمة للبناء والسلام والديمقراطية في العراق.
بعد عشرين عاما على انطلاق العملية السياسية في العراق وتشكيل النظام السياسي، لا يترك المراقبون والكتاب حجرا في هذه المسيرة إلا وقلبوه، بحثا عن مسببات التلكؤ والفشل مع تزايد الدعوات لمراجعة النصوص التأسيسية للعملية السياسية والادوار المؤسساتية ومساهمة الأشخاص والأحزاب والعوامل الخارجية المؤثرة، وفي هذا المناخ يكون من الطبيعي الدعوة إلى مراجعة دور بعثة الأمم المتحدة في العراق ومدى اسهامها في النجاحات والفشل، وجدوى استمرار عملها بنفس الوتيرة والسياق، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن وجود مثل هكذا بعثة في أي دولة يعني أن الدولة تعيش في ظروف غير عادية، وتواجه تحديات خطيرة، وبقاء البعثة في العراق كل هذا الوقت دون خروجه من البيئة التي إنطلق فيها عمل البعثة قبل سنوات طويلة يمثل تشكيكا في جدوى وجودها وعملها، إذا لم نذهب إلى التشكيك، واعتبارها عاملا معرقلا بهدف الحفاظ على وظائف أعضاء البعثة
التي إتضح انها لا تكلف الكثير من الأموال كرواتب ونفقات فقط وإنما تفتح أبوابا للفساد تتساوى فيه البعثة مع عمل أي مؤسسة محلية مثقلة بالشبهات، لكن مع فارق الحماية العالمية واستغلال مآسي العراقيين لتنفيذ مشاريع وهمية مثل التدريب على الخياطة التي تحدثت عنها صحيفة
الغارديان.