أزمة التشجيع في الرياضة

الرياضة 2024/02/13
...

د. حسين الربيعي

في البطولات المهمة، لاسيما في فعالية كرة القدم، تشحذ الجماهير هممها لتشجيع منتخبها المفضل بشتى الوسائل، وعندما تصل للذروة وتنتهي جميع مبادرات المؤازرة، لا يبقى للبعض ممن امتهن التشجيع تهريجا وتسولا، سوى النيل من الفريق المنافس.
في التشجيع الرياضي، أجد أنه من الخطأ بمكان استدعاء التاريخ والأمجاد والحضارات لوضعها في كفة ميزان تفوقك في كرة القدم والرياضات الأخرى، لأن النتائج في الرياضة لا تعرف من هذه المفاهيم أي شيء، ولها مقياس واحد فقط هو (فوز وخسارة وتعادل)، وربما شكل الإرث الرياضي حالة نفسية ملازمة للفرق المتنافسة بالفطرة.
وفي ملاعبنا سادت هذه الظاهرة المقيتة في المنافسات المحلية، من قبيل قذف المنافسين بكلمات ونعوت أقل ما يقال عنها أنها لا تنسجم مع الذوق العام، فحتى الأغاني الملهمة للتشجيع تستخدم ألحان أغاني الحروب وأهازيج الثارات العشائرية، وكلمات استصغار المنافسين والتعالي عليهم، من دون أدنى وعي لرد فعل الطرف المنافس.
لكن الأمر يبدو مختلفاً عند المشاركات الخارجية، فعندما تمثل المنتخبات المتنافسة دولها وشعوبها، فلابد من أن يرتقي التشجيع كي يظهر المشجع ثقافته وفنه ووعيه ومرحه وانفتاحه، وأن يكون مرآة عاكسة لبلده وشعبه، وكثيراً ما كسب التشجيع الخلّاق المتحضر ود جماهير الفرق المنافسة، ولابد من أن يراعي التشجيع عدم النيل من المنافس وأن تطلق الهتافات بحذر شديد، لأن المقابل لديه منتخب يمثل بلده أيضا.
تخيلوا معي ماذا لو فعل المنافسون ونالوا منك بنفس الطريقة، أم هو مسموح لك، وممنوع على الآخر؟ هكذا يظن البعض للأسف، مدفوعا بظنه من الإعلام الأصفر المنفلت الذي يسعى لتشويه صورة الوطن من خلال الرياضة، ومن يتحمل المسؤولية إن حدث الصدام بين مشجعي فريقين وتحول إلى شغب وعنف في الملاعب أو المدن المتواجدين فيها لتهديد السلم والأمن المجتمعي؟. كذلك فإن (الشعوب لا تدان)، فلا يمكن إدانة شعب بأكمله مهما وصلت درجة العداء مع شريحة منه، فما بالك وأنت في منافسة رياضية تفترض الانسجام والتفاهم من أجل السلم والتضامن؟.
أسوق هذه الملاحظات حتى لا يشعر الخاسر في مباراة كرة قدم بالعار على بلده وشعبة، ولا يتملكه شعور الدونية أمام من فاز عليه، لأن ذلك سيتسبب بمشاكل اجتماعية كثيرة، أولها النفاق مع النفس، فحين لا يرضى بقانون الفوز والخسارة في الرياضة، سيذهب لتسويق نظرية المؤامرة سببا لخسارة فريقه، وعندها تضيع أي فرصة محتملة للمنطق والتحليل والنقد لأسباب الخسارة، ومحاولة تجاوزها مستقبلا.