التعديلات الدَّستوريّة التي نحتاجها

آراء 2019/05/24
...

زهير كاظم عبود 
لم يكن السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وحده من يجد أن الدستور الحالي بحاجة إلى تعديلات ، كانت قبله العديد من المطالبات القانونية والأصوات  الشعبية والكتابات الرصينة التي تدعو الى تعديل الدستور العراقي ، والدستور كما نعرف  وبمقتضى نص المادة (13) منه، فإنه يعد القانون الأسمى والأعلى في العراق  ، ويكون ملزماً في أنحاء العراق كافة وبدون استثناء، وهو القاعدة الأساسية التي تستند إليها القوانين، ويرسم  شكل نظام الحكم، وينظم العلاقة بين هيئات السلطات المختلفة وفقاً لمبدأ المشروعية، وينص على المبادئ الأساسية للحقوق والواجبات، ويعد باطلاً كل قانون يتعارض مع نصوصه . 
والدساتير في العالم أنواع منها الدستور المرن والدستور الجامد، وصفة المرونة والجمود لا تتعلق بالتخلف والتطور، إنما تتعلق بنوع الإجراءات المتبعة في عملية التغيير، فالدستور المرن منها يعني أن من الممكن إجراء التعديلات الدستورية عن طريق الهيئة التشريعية في البلاد (  مجلس النواب مباشرة ) ، أما الدستور الجامد فوضع آلية وإجراءات محددة ومقيدة في عملية تغيير او تعديل النصوص الدستورية  . والدستور العراقي وفقاً لما وضع من آليات نصت عليها المادة (142) منه يعتبر من الدساتير الجامدة التي تتطلب إتباع إجراءات صعبة في سبيل تعديل الدستور . 
ومع إن الفقرة أولاً، من المادة المذكورة ألزمت مجلس النواب (في بداية عمله)، تشكيل لجنة من بين أعضائه ممثلة للمكونات الرئيسة للمجتمع العراقي، ( ويقصد بعبارة المكونات الرئيسة في المجتمع العراقي العرب والكورد والتركمان ) وهي عبارة تبعث على القلق لبقية المكونات الأخرى ،  مهمة هذه اللجنة تقديم تقرير الى مجلس النواب يتضمن مراجعة نصوص الدستور، واقتراح التعديل الضروري لبعض المواد إن كانت هناك حاجة للتعديلات التي يمكن إجراؤها ، وفي حال تقديم اللجنة مقترحاتها إلى المجلس يتم عرضها للتصويت  ( دفعة واحدة ) ،  وتعد مقرة بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس  ، وللأسف لم يتم تنفيذ الفقرة المذكورة حتى 
اليوم . 
التقييد الوارد في الدستور لا يعطي الحق لمجلس النواب إجراء أي تعديل، وإنما نصّت الفقرة ثالثاً من المادة المذكورة على أن تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة (شهرين) من تاريخ إقرار المجلس عليها بالأغلبية المطلقة، والاستفتاء المقرر اجراؤه على المواد المعدلة والمقترحة يعد ناجحاً ونافذاً في حال حصوله على أغلبية المصوتين ( أكثر من نصف عدد المصوتين ) ، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر .
ومع إن الدستور العراقي كان قد منح حق اقتراح تعديله في الفقرة أولا من المادة 126 لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ( مجتمعين )  ،  او لخمس أعضاء مجلس النواب ، إلا أن الفقرة خامسا من المادة 142 من الدستور استثنت ما ورد بإحكام المادة 126 المتعلقة بتعديل الدستور الى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في المادة 142 . 
 والحاجة الى التعديل بسبب أن  العديد من نصوص الدستور لا تنسجم مع مبدأ المساواة والمواطنة ،  والديباجة لا تمنح الحقوق ولا ترسم الواجبات ، والفقرة رابعا من المادة 18     التي وردت فيها  عبارة المنصب السيادي والمنصب الامني الرفيع  لم يحدد الدستور معانيها بدقة ليتخلى من حصل على جنسية غير عراقية مكتسبة . 
 بعض النصوص  التي نص عليها  الدستور إجرائية وردت في قوانين أصول المحاكمات الجزائية النافذ ، العطلات والمناسبات الدينية لم تعد تنسجم مع قانون العطلات الرسمي وصار لكل  إقليم ومحافظة قانونهم الخاص ، الفقرة رابعا من المادة (  49  ) المتعلقة بتحقيق نسبة تمثيل للنساء لاتقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب تتناقض مع نص المادة 14 حول المساواة أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس ، اختصاصات أعضاء مجلس النواب المنصوص عليها في المادة 61 تتناقض مع  إنشاء مكاتب تنفيذية لأعضاء مجلس النواب وزيارات يقوم بها عدد من الأعضاء لدوائر السلطة التنفيذية ،  ولا تمنح العضو حق محاسبة وتفتيش  الدوائر الخدمية  والتنفيذية فرديا ، حيث أن دور المجلس بمقتضى المادة 61 / ثانيا رقابي على السلطة التنفيذية ، تعطيل مجلس الاتحاد ( المادة 65 ) من الدستور حيث تجاوزت المدة التي حددتها ( المادة 137 )  دون تبرير تشريعي أو قانوني ، رفع كل نص يشير إلى مجلس الرئاسة بعد انتهاء مرحلته ، تعطيل إصدار قانون المحكمة الاتحادية العليا  وهي جزء مهم من الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ، ضمن أحكام الفصل الثالث ( السلطة القضائية ) ورد نص المادة ( 101 ) الذي يقضي بجواز إنشاء مجلس دولة يختص بوظائف القضاء الإداري والإفتاء والصياغة القانونية وتمثيل الدولة ، إلا أن مجلس الدولة الحالي الذي قام على أنقاض مجلس شورى الدولة هو جزء من السلطة التنفيذية  ويتبع وزير العدل  وأن تم فصله عنها مؤخرا ولا علاقة له  مطلقا بالسلطة القضائية  ويعد تجاوزا على استقلالية السلطة القضائية ، والقانون الذي ينظم عمله لا يسر النفس ولا يفيد الحال إزاء حاجتنا الماسة لمراجع قانونية مهمتها الإفتاء  والتفسير . 
تعطيل إصدار قانون الخدمة الاتحادية ( المادة 107 ) ، المادة ( 115 ) تمنح الحق للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم كل مالم ينص عليه ضمن الاختصاصات  الحصرية للسلطة الاتحادية ، وهو غير منطقي إذ أن المقبول هو أن يكون العكس فكل مالم يرد حصريا في اختصاصات الإقليم والمحافظات يكون من اختصاص السلطة الاتحادية ، رفع النصوص الدستورية الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا ( 134 )  بعد إلحاقها بمجلس القضاء الأعلى ،  و بهيئة دعاوى الملكية ( 136 ) بعد أن أصبحت محاكم البداءة تنظر  بالدعاوى المدنية وفق الإلية القانونية المعتمدة   ، وأخيرا نص المادة ( 140 ) حول قضية كركوك التي لم تحل رغم تكرار دورات مجلس النواب ، وبالرغم من إشارة النص إلى إلزام السلطة التنفيذية استكمال متطلبات تنفيذ التطبيع والاحصاء والاستفتاء بعد أن تم تجاوز المدة المنصوص عليها
 دستوريا . 
وبعد مضي كل هذه الفترة التي صدر بها الدستور في ظل ظروف صعبة ومعقدة ، وبالرغم من الحاجة الملحة لتعديل الدستور وصياغته قانونيا ولغويا بأشراف وتعاون من المختصين الحريصين على مستقبل شعبهم ، وبالرغم من أن الدستور نفسه يشير الى ضرورة تعديله بالشكل الذي رسمته المادة 142 ، فأن أمامنا مواجهة كل المصاعب والمصائب التي مرت بها جميع مكونات العراق ،  وما أفرزته الظروف التي نضجت ضمن مسيرة السنوات اللاحقة لصدور الدستور حتى يمكن أن نتوجه حقا لبناء معالم الدولة المدنية ، الدولة التي تضع الحقوق والحريات الأساسية للإنسان  قبل القومية والدين والمذهب ، وان يكون فيها العراقي يتساوى مع غيره أمام القانون مهما كان جنسه اودينه أو مذهبه أو قوميته أو عرقه أو أصله أو لونه أو معتقده أو رأيه أو وضعه الاقتصادي ، وان يكون له الحق في الحياة والأمن والحرية والكرامة ، وان تضمن نصوص الدستور والقوانين حرية الرأي والعقيدة ، فهل نحن متضامنون بالاستفادة من مرحلة زمنية سابقة ليكون لنا دستور يليق بالعراق بعد حقبة الدكتاتورية والحروب العبثية ؟