انتخابات قاريّة ترسم مستقبل بروكسل

بانوراما 2019/05/24
...

جينيفر رانكين
ترجمة: خالد قاسم
تعد انتخابات البرلمان الأوروبي التي تجرى كل خمس سنوات ثاني أكبر تنافس ديمقراطي على مستوى العالم بعد انتخابات الهند، اذ يبلغ عدد الأشخاص الذين يحق لهم التصويت 374 مليونا.
أجريت انتخابات البرلمان الأوروبي للمرة الأولى في العام 1979، لكنها تحظى باهتمام غير مسبوق. يرى السياسيون المؤيدون والمعارضون للاتحاد الأوروبي هذه الانتخابات نقطة انطلاق للسيطرة على الأجندة الأوروبية. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن التصويت سيكون حاسما في أخطر لحظة تواجه القارة منذ الحرب العالمية الثانية. أما رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان فيرى فرصة لتعزيز “ديمقراطيته غير الليبرالية”.
وقد أثارت استطلاعات رأي غضب الأحزاب التقليدية لأنها أظهرت أن يمين الوسط ويسار الوسط سيخسران أغلبية المقاعد التي تمتعا بها منذ 40 سنة. أما الشعبويون المعارضون للاتحاد الأوروبي فسيكسبون مقاعد، لكنهم على الأرجح لن يمسكوا بزمام قيادة البرلمان. ويرفض بعض قادة دول الاتحاد أيضا الخطابين المتناقضين بين ماكرون وأوربان للقتال على مستقبل أوروبا.
أيا كانت النتيجة فهذا البرلمان سيؤدي دورا كبيرا في رسم شكل الاتحاد للسنوات الخمس المقبلة، اذ يصارع هذا التكتل التدهور البيئي والنمو الاقتصادي الضعيف والبنوك المثقلة بالديون والهجرة ونهضة الصين ورئيس أميركيا غريب الأطوار وانقسامات داخل الاتحاد وتراجع الديمقراطية، والبريكست.
 
صلاحيات البرلمان
بعد أن كان محط سخرية بوصفه مكانا للثرثرة، لكن البرلمان الأوروبي اكتسب صلاحيات كبيرة عبر عملية صنع القرار داخل الاتحاد. ويتكون البرلمان من 751 نائبا ويشرع القوانين الى جانب 28 حكومة داخل الإتحاد. وعلى العكس من الخرافة الشعبية فالمفوضية الأوروبية لا تشرع قوانين الاتحاد مع أنها تمتلك حق المباشرة بالتوجيهات والنظم، وهي وسيلة قوية لتحديد الأجندة، فالمفوضية تقترح، والنواب ومجلس الوزراء يقررون ( وهم يمثلون عادة الحكومات الأعضاء من جميع الدول البالغ عددها 28).
تقول صوفيا روساك، باحثة بمركز دراسات السياسة الأوروبية: “نستطيع القول أن البرلمان الأوروبي حاليا على نفس مستوى مجلس الوزراء.”
يشترك البرلمان الأوروبي بسن قوانين السوق الموحدة والزراعة وصيد الأسماك والطاقة والبيئة وحماية البيانات والهجرة وعشرات السياسات الأخرى. ويستثنى البرلمان من بعض القرارات؛ اذ تحمي الحكومات بحماسة صلاحياتها بشأن ضرائب الاتحاد الأوروبي وسياسته الخارجية.
لا يمتلك الاتحاد أي دور بسن قوانين قضايا كثيرة مهمة جدا للناخبين، مثل الخدمات الصحية والمدارس والسكن. فقد أقر النواب الأوروبيون 438 قانونا منذ العام 2014، وتأرجحت بين المطالبة بوقف مبيعات السلاح الى السعودية ومناشدات بمكافحة العنصرية داخل أوروبا.
يتمتع البرلمان أيضا بنفوذ كبير في الاشراف على مؤسسات الإتحاد الأوروبي، فخلال العام 1999 أثارت اجراءاته سقوط المفوضية الأوروبية بأكملها بسبب فضيحة فساد شملت رئيسة وزراء فرنسا سابقا إيديث كريسون، وتعد قضيتها لحظة فاصلة للاتحاد وأظهرت امتلاك النواب سلطة حقيقية على الجهاز التنفيذي.
 
اللاعبون الرئيسون
يكتسب النواب الأفراد السلطة والنفوذ عبر عضويتهم لجماعات سياسية، وهي كتل كبيرة عابرة للدول توحد النواب وفقا لمنظورهم السياسي. يتألف البرلمان الحالي من ثماني مجموعات، تمتد بين أقصى اليمين الى أقصى اليسار. 
أكبر تلك المجموعات هو حزب الشعب الأوروبي من يمين الوسط ويقوده الديمقراطي المسيحي الألماني مانفريد ويبر. ويأتي بعده التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين بقيادة الديمقراطي الاشتراكي الألماني أودو بولمان. ورئيس البرلمان هو الايطالي أنطونيو تاجاني عضو حزب الشعب.
لا يرتبط 21 نائبا فقط بأية جماعة، ويؤدي الجلوس داخل البرلمان بدون انتماء الى تقليص كبير بالتمويل العام واستلام المناصب الكبرى، مثل تولي مسؤولية قانون أوروبي أو دور قيادي داخل المجلس.
تعد بروكسل مدينة جماعات الضغط، بدءا من موائد فطور أصحاب المصلحة والقهوة المخففة والكرواسان الصغيرة ووجبات العشاء غير الرسمية بشأن العقود الآجلة الرقمية. يعتقد الاتحاد الأوروبي أن 82 ألف شخص يوظفون للضغط على مؤسساته، ولا يمثلون جميعا القطاع الخاص حيث يعمل ربعهم تقريبا لمنظمات المجتمع المدني و40 بالمئة لشركات أو نقابات تجارية، ويعمل الباقي لصالح نقابات عمالية وهيئات مهنية ومكاتب استشارية.
اشتكت الشركات منذ فترة طويلة بسبب العوائق بين البرلمان ومؤسسات الضغط، وسلطت الضوء على نائب سابق عضو بلجنة الصناعة وانتقل للعمل في شركة سيارات ألمانية، أو عضو اللجنة الزراعية الذي انتقل للعمل مستشارا زراعيا لمؤسسة ضغط تعمل لصالح شركة كيميائيات زراعية.
ازدادت أهمية جماعات الضغط مع اكتساب البرلمان دوراً كبيراً، اذ يستذكر نائب ألماني تلقيه 60 ألف رسالة ألكترونية خلال أسبوعين. 
وتقول إحدى الباحثات أن البرلمان دخل أكثر 
بمرمى حملات ضغط مؤسساتية أشد كثافة وتضليلا.
 
بروكسل وستراسبورغ
لماذا يتخذ البرلمان الأوروبي من بروكسل وستراسبورغ مقرا له؟ لأن الرئيس الفرنسي يريد ذلك!!. فالمقر الرسمي في ستراسبورغ، مدينة تقع على نهر الراين وتعد رمزا للمصالحة بين فرنسا وألمانيا بعد الحرب. مع ذلك، يقضي النواب أقل من أربعة أيام شهريا داخل المقر الفرنسي، ويفضل أغلبهم نقل البرلمان بصورة دائمية الى بروكسل حيث تقع مقرات مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى.
تقود النائبة السويدية آنا ماريا كورازا بيلدت حملة “المقر الواحد”، وتذكر أن ثلاثة أرباع النواب يريدون إلغاء الرحلات ذهابا وإيابا بين المدينتين التي تكلف 180 مليون يورو سنويا و19 ألف طن شهريا من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون.
تبنت الفكرة زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني أنغريت كرامب كارنباور، والتي قالت أن البرلمان يجب بقاؤه في بروكسل. 
وعلى غرار مطالبات سابقة بالتغيير، واجهت العقبة نفسها وهي أن مقر ستراسبورغ 
مذكور في معاهدة الاتحاد الأوروبي ولا يمكن تغييره الّا بإجماع الدول الأعضاء، وتعطي فرنسا حق النقض الدائم. تقول ناتالي لويزاو مديرة حملة ماكرون الانتخابية في الاقتراع الأوروبي: “ستراسبورغ عاصمة الديمقراطية الأوروبية، ومصدر فخرنا.”