جرائم وبرامج

آراء 2024/02/15
...







 نرمين المفتي

مما لا ريب فيه أن البرامج التلفزيونية التي تتناول الجرائم تجذب المشاهدين من جهة، وتكشف عما يدور حولهم ومن جهة اخرى يفترض انها جرس انذار، لا بد أن تنتبه عليه الجهات المختصة، الأمنية والقانونية والاجتماعية والتربويّة. وتشكل هذا البرامج، ايضا، مواد بحثية غنية تتطلب أن يكون في كل جامعة عراقية مركزٌ للدراسات والبحوث التربوية والنفسية والاجتماعية، لتحليل اسبابها وتفكيكها للتوصل على حلول أو مقترحات حلول تقدم للجهات المختصة.
مؤخرا، شاهدت في احد البرامج حوارا مع شاب عمره 20 سنة في مرحلته الجامعية الثانية، متهم بالابتزاز وموقوف بانتظار محاكمته. يتابع صفحات المتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. كما قال، الملايين وعمله الأساسي عبر هذه الصفحات هو الترويج ازاء مبالغ مالية لصفحات الآخرين، خاصة على منصة «تيك توك» والتي تغري، الشباب والمراهقين خاصة، بنسبة من الارباح التي تجنيها من خلال متابعي الصفحات. الطرف المدعي ضده طفلة عمرها 10 سنوات فقط ووالدتها. واستنادا إلى أقوال المتهم فإن المدعية اتصلت به للترويج لصفحتها، وكانت ترسل رصيدا لموبايله إزاء أجوره، والتي بقي منها بذمتها 200 دولار ووعدته أن يصبر حتى تتمكن من سرقة قطعة ذهب من والدتها وبيعها، وهو طلب منها ارسال صورة، يبدو عارية لأن المخرج تعمد قطع الصوت، وهددها بنشر الصورة، لكنه لم ينشرها و(تفاجأ) بالدعوى ضده من الطفلة ووالدتها واللتين تنازلتا بعد قبض 200 مليون دينار!! في جلسة فصل (نسائية) لان والد الطفلة لا علم له بالقضية!
وهنا نتوقف عند هذه الطفلة، كيف تعرفت إلى التيكتوك والترويج الوهمي، ومن أين كانت تأتي بمبالغ الرصيد وكيف تجرأت وأرسلت صورتها؟ وكيف تعاونت معها والدتها في الدعوى والتنازل؟ وأين ستصرفان أو تخبئان المبلغ الكبير، مقابل التنازل كيف لا يكتشفه الوالد؟ هذه عينة بحث قد تكشف عن وجود خلل ليس في الاسرة فقط، انما في المدرسة ايضا. هناك جرائم ابتزاز الكترونية عديدة تابعتها ودائما الطرف الاخر مراهقات أو شابات، ولكن لأول مرة تفاجئني أو تفجعني هذا الطفلة!.
وأعود إلى هذه البرامج ودورها في الحد أو التقليل من نسبة الجرائم، خاصة في استضافتها لضباط شرطة ومحامين وخبراء في شرح القانون وباحثين اجتماعيين ونفسيين. فهي تساعد في رفع مستوى الوعي وتثقيف المشاهدين، حول أنواع مختلفة من الجرائم وأسبابها وعواقبها. وتأثير السلوك الإجرامي على الأفراد والمجتمع، وتشجع المتلقي على اتخاذ قرارات مستنيرة، وتجنب الانخراط في أنشطة غير قانونية. وتكشف هذه البرامج الدوافع والعوامل النفسية الكامنة وراء السلوك الإجرامي، ما يوفر للمشاهدين رؤى حول الطبيعة المعقدة للجريمة. ومن خلال تسليطها الضوء على استراتيجيات وتقنيات منع الجريمة، توفر هذه البرامج وسائل للوقاية، بمعنى أنها تزوّد المشاهدين بالمعرفة والمهارات اللازمة لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم واتخاذ تدابير استباقية لتقليل احتمالية الوقوع ضحايا للجريمة. كذلك، فإن هذه البرامج تخلق فرصا للمناقشة بين المشاهدين، حول إنفاذ القانون والعدالة والقضايا المجتمعية المتعلقة بالجريمة والعقاب. ومن خلال إثارة الحوار والنقاش بين المشاهدين، يمكن لهذه العروض أن تسهم في فهم أعمق للتعقيدات المحيطة بالجريمة والعدالة، ما يؤدي في النهاية إلى تغيير اجتماعي إيجابي.
ولا بد من ملاحظة مهمة، لا بد من إعداد مدروس لهذه البرامج، وأن يكون مقدموها عارفين بالقانون ولغته، وأن يتحدث مع ضيوفه والى المشاهدين بوضوح وبساطة، آخذا بنظر الاعتبار المستويات الثقافية المختلفة للمشاهدين، وأن يكون التصوير والإخراج ملهما ومباشرا للتحذير من الجريمة وعواقبها، كي لا يكون عرض الجريمة بمثابة أدوات تعليمية.