جمعة الحلفي.. حضورٌ عصيٌّ على الغياب

ثقافة شعبية 2024/02/15
...

 سعد صاحب

ذاكرة الشاعر محتشدة بالمواقف والصور الحزينة والاحداث والاوجاع، أنها ذكريات مؤلمة يتمنى لو يزيلها بآلة ماسحة، او ينتظر ان يكتشف الطب دواء يزيح الاشياء السلبية الى الابد، ويترك المسائل السارة فقط، وهذا الامر اشبه بالمستحيل، ويحتاج الى معجزة آلهية، لإنقاذ الناس من الهم المتراكم عبر سنين طويلة.
، وما افجع الانسان المحاصر من كل الجهات، ولا منقذ له سوى الهروب، عن طريق النوم او مغافلة الاحزان، او الالتجاء الى الخدر اللذيذ أو ادعاء النسيان الكاذب.(كعدني البجي من النوم/ لني بغربتي البس المنفى هدوم/ هوه هناك وانه هناه/ شيجيب العراق واكعد ابجي وياه).

هواجس
توجد الكثير من الهواجس المتباينة في قصيدة الحلفي، الاول : الملل من الاحباط السياسي الذي يبوح به الى حد الصياح، ولو كان بطريقة هامسة، والثاني : جمالية الخيال التي تضيف للكتابة السحر الفني المطلوب. والثالث : التوزع بين عالمين متناقضين: عالم صدق النفس في الانتماء الى ما تريد، وما يرافقه من الخسارة، وعالم الحياة السعيدة والرفاهية والفرح والمال والمنفعة، وما له من تداعيات سلبية في مجالات عديدة، لا سيما في الجانب الاخلاقي المؤثر في تركيب الشخصية العراقية المتزنة.(عاونتك على الكلفات مرات/ وضكت كاسات من فراكاك مرات/ وعفت لجلك هلي مرات مرات/ وشفت منك مصايب ما سدن يا طيب الذات/ وعلى دربك رحت للموت ومن الموت رديت/ ولجل عينك انذال الناس باريت).

متاهة
لا يوغل في متاهة الكلمات، ولا يزيد من تعقيدها اكثر من اللازم، ومفرداته واضحة المعاني لمعظم الناس، بعيدة عن الغموض المقصود، وقريبة من التعبير الشفاف، والالفاظ الغزلية كانت حسية الطابع، لا تتداخل مع الحالة السياسية الا ما ندر، واحيانا نحتاج الى تحليل خاص، في بعض الصور ذات الموضوعات الغائمة.(شايل شراعي مثل راية حزن/ مركب بنص بحر ضايع/ شايل شراعي وشواطيك بعيده/ ولا ني رايح لا ني راجع/ ضيعتني وضاعت سنيني غلب/ ولا نه كادر اشتريك ولا نه بايع/ ذابله ايامي مثل نخله وحيده اعلى الشرايع).

اشتعال
يواجه وجع الحياة بالحلم الانساني الشفيف، ويقاوم الموت والغربة والندم والاستيحاش والقلق، بالتوجه الى مفاتن المرأة المغناج، صاحبة الجسد الرقيق الذي يعزف موسيقى الرغبة، على اوتار ناعمة، جاعلا من الانثى منقذا لكل ازمات الرجل المتداخلة، مرجحًا كفة الميزان اليها في شتى الامور، وكانما هو المحتاج للارتواء لوحده، بينما حواء هي صاحبة الاغواء والاستدراج والتشهي والليونة والرقة والاشتعال، واللذة لا تتم من دون هذا الثنائي المتجانس، والمتكافئ في الاحساس والاندفاع والعطاء والتفاعل. (سبكني الحسنك الرمان وتفرط/ مثل حبات ليلو اعلى النهد/ والكاع ما وسعت غنج/ مرجان يتغاوه بوسط مرجان/ حبه هنا وحبه هناك/ بوسات ونوايح والروايح
للسمه/ حنه وسعد مديوف هالنعسان).

استقلال
ان القصيدة الحديثة لا تقف عند نقطة واحدة، لكونها مندمجة مع باقي الفنون المجاورة، وهي جزء لا يتجزأ من اللوحة التشكيلية  والحوار المسرحي والقصة القصيرة وسيناريو الفيلم السينمائي والمقالة الادبية والعمود الصحفي والصورة، وقصيدة النثر بكل اساليبها المختلفة من شاعر لاخر، وهذا الانفتاح الشامل، اعطى الى المبدع حرية الاستقلال الشعري، باجتراح الاشكال الجديدة، والابتعاد عن التقليد والاجترار والطاعة العمياء للافكار القديمة المستهلكة.(البارحه بالليل/ كبل ما ينسه الكمر ضوياته ونجمومه/ كبل وجه الصبح بشوي/ دك دك/ دك بابي العراق بهيد/ افتحت باب الكلب/ اهلا اهلايا عراق/ اهلا وين دجله والنخل وبيوتنه الحلوه/ بجه بروحي العراق وسكتته
همومه).