سِنينَه

ثقافة شعبية 2024/02/15
...

كاظم غيلان

تخبرنا مصادر البحث في التاريخ أن الملك البابلي حموراربي هو أول من سن القوانين، ويرجع ذلك إلى أبعد من (3800) عام، ومنذ ذلك الزمان راحت المجتمعات البشرية، تسير وفق ما ينظم حياتها من قوانين ترسم للانسان انتظامية حياته بشتى مجالاتها.
يبدأ الإنسان منذ ولادته بقانون، يتمتع بحريته بقانون، يقمع بقانون، يساق للموت بقانون.... وهكذا.
الحكومات وغير الحكومات تشرّع قوانين لشعوبها، أو تسن شرائع وأنظمة تسير حياتها بما تشاء، لضمان استمرار نفوذها وسلطتها.
في المجتمعات التي تطغي العشائرية على طبيعة حياتها، تجد القوانين هي المعمول بها، ويطلق عليها (السنينة) المتأتية من سن القوانين مصطلحا أو تسمية، وغالبا ما تعالج خلالها تقاليد وطبائع متوارثة ك(الفصل، الثأر، الصلح... إلخ) وغالبا ما تجد اتفاقا بين هذه المكونات - العشائر في معظم فقرات هذه (السناين - القوانين)،  كما هو الحال في الاتفاقيات الدولية التي نطلع عليها باستمرار.
هذه القيم العشائرية انتقلت لأوساطنا الثقافية والفنية، وفي ظل الفوضى العارمة والانفتاح اللامنتهي لشهوة الاستئثار بالمناصب والدرجات، حتى باتت واضحة كعدوى انتقال أمراض السياسة بكل وضوح لهذه الاوساط.
قبل أيام كنت وصديق مخرج مسرحي في جلسة باحد مقاهي مدينتنا الشعبية، انضم لنا احد شعراء العامية، وفي حديثنا عن المنحة التشجيعية وطرق استحقاقها، سألناه عن مخالفة حاصلة في الجمعية أو الاتحاد الذي ينتمي له فأجابنا بأنها (سنينة) وضعها قبل أعوام بعيدة شاعرٌ كان يرأس الجمعية!
انه لم يحتكم النظام الداخلي لمنظمة ينضوي تحت لوائها، بل احتكم (سنينة)!
والسنينة هذه وأخواتها من (سناين) غدت سارية في ثقافة اليوم وفنونه، امتدت حتى لطبيعة الدعوات والمنح والمكافآت، والحمد لله لن تصل بعد لموتنا فتلك سنينة رب عظيم، الذي لا يرد ارادته رئيس الجمعية ولا رئيس الاتحاد ولا السيد(النقيب) ولا أي (رائد) من رواد الأدب والفن ولا حتى (الرائد) عبد السلام جلود.  
في السنينة الثقافية المعمول بها اليوم ولأغراض تتصل بالارصدة الانتخابية والوجاهة تسود الدعوات المتبادلة على طريقة الاغنية الخليجية(ردي الزيارة)، التي ستكون في اليوم الانتخابي (انتخبك.. انتخبني).
ان الفوضى ناتج حتمي لأي متغير سياسي غير ملائم لطبيعة مجتمع يرى في القانون خلاصه ولذا تجده حالة شاذة، معيبة لن يستحي من ممارستها من يؤمن بالمثل العامي الذي زودنا به الأشقاء الشاميين: (كلمن ايدو الو).