النازحات النيجيريات وخطر ضعف الرعاية الصحيَّة

بانوراما 2024/02/15
...

  أديه فانيسا اوفيونغ
  ترجمة: بهاء سلمان

كانت «عائشة أليو»، الحامل في شهرها الثامن، مستلقية على حصيرة أمام منزلها، ويحيط بها حول قدميها أولادها الأربعة، وكان كل من «هايوا»، ذات العامين، و»آبا»، خمسة أعوام، يبكيان ويجذبان حجاب والدتهما البُني اللون. وكاستجابة منها، قامت بإدارة عينيها عليهما وناغتهما بصوت يصدر من لسانها؛ وكانت تبدو منهكة.
الطفل الذي تحمله عائشة هو العاشر بالنسبة لها، وقد ولدت آخر أربعة أطفال في مخيّم دورومي، الواقع ضمن عاصمة البلاد أبوجا، حيث تطلق عليه إسم البيت، إذ يضم نحو ثلاثة آلاف فرد نازح.
في العام 2013، فرّت عائشة من قرية «والا»، متوجّهة إلى عاصمة ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا؛ ميدوغوري. إذ تعرضت قريتها للاعتداء واحترق جزء كبير منها من قبل جماعة بوكو حرام. وبعد سنتين، هاجمت الجماعة الارهابية ذاتها مديوغوري، مرغمة الأم وزوجها وأولادها الخمسة على الهروب مجددا، لتذهب هذه المرة جنوبا لمسافة تبعد نحو 850 كيلومترا الى مدينة أبوجا.
وبقيت هذه المرأة، البالغة حاليا 39 سنة، تنجب الأطفال كوسيلة لتعويض أقاربها الذين قتلهم الارهابيون، لكنها أدركت بإنها أصيبت بالإنهاك من حملها الأخير سنة 2021، وبدأت تستخدم موانع للحمل. ومع هذا، صارت حاملا مرة أخرى هذه السنة.    

إنجاب مستمر للأطفال
بعد أن أنجبت بالفعل أطفالا كانت عائشة خائفة، لعلمها بالموارد المحدودة التي يمكنها الوصول إليها. فمخيم دورومي معروف كواحد من 246 تجمعا سكنيا للنازحين داخليا في جميع أنحاء نيجيريا منذ أيلول 2021، ولم تكن هذه الزوجة قادرة على تحمّل تكاليف الغذاء والدواء التي تحتاجها للحفاظ على صحة جيدة، وكانت خدمات ما قبل الولادة محدودة.
كانت المساحة التي تم إنشاؤها في البداية كجناح للولادة في المخيم بدائية وبخدمات صحية ضئيلة، بحسب «لياتو أيوبا»، المسؤولة النسوية للمخيّم منذ العام 2014، إذ تتعامل مع القضايا المتعلّقة بالصحة والغذاء وأطفال النازحين. تقول أيوبا، وهي القابلة الوحيدة في المخيم: «كان جناح الولادة عبارة عن خيمة  تحتوي على حصيرة وغطاء تستلقي عليها النساء عند الولادة.» وتطلق العديد من النساء النازحات على أيوبا تسمية «ماما». وتشير القابلة إلى إن الخيّمة كانت عبارة عن كوخ مبني بألواح من الصفيح وسقف معدني وأرضية رملية. وإذا توفرت القفازات فيمكن للقابلة استخدامها وبغيابها تغطي أيوبا يديها بأكياس النايلون لتقطع الحبل السري بشفرة حلاقة. وتقول عائشة: «لقد أنجبت ثلاثة من أطفالي بمساعدة ماما على حصيرة تحت الملجأ، حيث كانت «ماما» تقطع الحبل السري وتغسل الطفل».
في العام 2019، أنشأت منظمة غير حكومية مركزا صحيا داخل المخيّم، حيث تمت ولادة الطفل التاسع لعائشة، هايوا، سنة 2021. والمركز عبارة عن عيادة صغيرة تقع داخل حاوية شحن معاد استخدامها، ويبلغ طولها 20 قدما، وتم وضع ألواح خشبية لإنشاء جناح ولادة، يشبه إلى حد كبير مساحة تخزين، ويحتوي على سرير، وسرير طفل، وحامل تنقيط لكيس المغذي، وكرسي مكسور، وعربة، وحاويات فارغة يفترض أنها تحتوي على الماء. والنصف الآخر عبارة عن غرفة الفحص التي تحتوي على طاولة، وكرسيين، وسرير، وخزانة لحفظ الأدوية والأجهزة.
وبرغم نواقص العيادة، إلا أنها توفر على الأقل مساحة للاستشارة كانت النساء محرومة منها سابقا، وتفخر أيوبا بالقول إن المخيم لم يسجّل أي وفيات بين الأمهات أو الأطفال تحت إشرافها.
تعد عائشة واحدة من العديد من النازحات داخليا اللاتي يحملن أطفالا في مخيّمات نيجيريا، مع غياب مركز صحي للولادة في بعض الأحيان، فيما تضطر النساء للذهاب إلى مساكنهن أو مسكن القابلة أثناء الوضع.
خدمات صحية هزيلة
تقول أطروحة الدكتوراه التي أعدّتها «فاطمة محمود جبريلا» سنة 2021 في جامعة لندن، أن نساء مخيّمات النازحين في نيجيريا «يواجهن خطر وفاة الأمهات بنسب أكثر من نساء المناطق اللاتي يعشن في منازلهن.» وتشير المؤلفة إلى مجموعة من العوامل التي تزيد من خطر وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة في هذه البيئة، بضمنما عدم كفاية خدمات الرعاية السابقة للولادة ومحدودية برامج تنظيم الأسرة.
«لا تقدم مخيمات النازحين واللاجئين في نيجيريا خدمات خاصة للنساء الحوامل، أما خدمات ما قبل الولادة فهي سيئة وغير كافية للكشف عن المضاعفات المحتملة المرتبطة بالحمل ومعالجتها وغيرها من علامات نتائج الحمل السيئة،» بحسب المؤلفة. ورغم عدم حصول وفيات للأمهات أو الأطفال الحديثي الولادة أو الرضّع في دورومي، وفقا لأيوبا، لكن العديد من الأطباء المتطوّعين هناك أكدوا المخاوف التي أبرزتها الدراسة.
وفي بلد يصنّف من ضمن أعلى البلدان من ناحية معدلات الوفيات في العالم، ولديه ثالث أكبر عدد من النازحين داخليا في إفريقيا بحلول نهاية العام 2022، وفقا لتقرير «مركز رصد النزوح الداخلي»، يشكل الافتقار إلى الرعاية الصحية الكافية للأمّهات في المخيمات مصدر قلق كبير، بحسب الأطباء العاملين.
وتظهر أرقام النزوح الداخلي لعام 2022 نحو خمسة ملايين نيجيري تم تصنيفهم «نازحين داخليا» نتيجة للصراعات والكوارث الطبيعية، مع تفوّق الفيضانات على أعمال العنف التي طال أمدها، بوصفها المصدر الرئيس للنزوح.
يؤشر تقرير العام 2023 الصادر عن «قطاع تنسيق وإدارة المخيمات» وجود أكثر من مليون ونصف مليون إمرأة وطفل في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي النيجيرية وحدها، أي بنسبة 74 بالمئة من مجمل النازحين في هذه الولايات، البالغة أعدادهم أكثر من مليونين ومئة ألف نازح.
وتؤكد أيوبا وممرض المخيّم «إيسا عمر» إن مجمل أعداد النازحين في نيجيريا يعتمد إلى حد كبير على ما تجود به المنظمات الخيرية لأجل تقديم خدمات الرعاية الصحية.

وكالة سي أن أن الإخبارية الاميركية