التوأمُ بارك تشاي: أعمالٌ بعضها يسمح للريح بالنفاذ والآخر يقاومها

ثقافة 2024/02/18
...

 مايليس سيلو 

 ترجمة: رضا الأبيض 


بارك تشاي دالي، وبارك تشاي بيول من مواليد 1997، هذا التوأم لا يمثّل فناناً واحدا برأسين، وإنّما شخصيتين تستحقان الاهتمام نفسه. بدت أعمالهما رقيقة ونسيجية ونصيّة، يتردد صداها وتتحاور وتتشابك حتّى وإن اختلفت، ولم تعمل الفنّانتان في الورشة نفسها، ولم تتشاركا في كل مشاريعهما. 

ولدت دالي وبيول في بورغ أون بريس، لكنهما نشأتا في كوريا حتى عامهما السابع عشر. والدهما، المهتمّ والمتحرّر أيضًا، لم يسجلهما في المدرسة التي كانت، كما تقولان "صارمة للغاية، وتنافسية، ولا تحب التنوع مطلقا" على الأقل في نظر الآباء الذين "ليسوا فنّانين وإنّما من محبي الفن ". 

لقد كان لأبيهما الفضل في رحلتهما المميّزة، التي قامت على دروس في المنزل و"اتصال مع الطبيعة" البحر والجبل. لقد علمهما لغات (منها الفرنسية والإنجليزية والإسبانية)، وترك لهما الحرية لتجريب جميع التخصصات الإبداعية وتعلم الكمان والبيانو والتشيلو.

تمكن التوأم، الحر ولكن الجدي، والمجتهد، من اجتياز ما يعادل البكالوريا الكورية في وقت مبكر، في سن الرابعة عشر، قبل الذهاب في رحلة مدتها ستة أشهر  إلى أوروبا مع الأسرة. "في تلك اللحظة، بينما كنا نتحدث في مقعد السيارة الخلفي تصوّرنا أنّ الفن يمكن أن يصبح مهنتنا. وبكينا حين نطقنا بذلك".

وفي سيول، التحقت الأختان بفصل تحضيري في معاهد الفن الفرنسية، وتمكنتا من الالتحاق بسيرجي، حيث إحد أكثر المدارس الفرنسية صرامة وأصالة. وهكذا استقرّتا في فرنسا وعمرهما 17 عاماً، سعيدتيْن بهذه الاستقلالية، وبالحظّ الذي لم يفرقْهما.

ولكنها خلال الأعوام الخمسة من التدريب المهني، كانت كلّ منها تحاول أن تميّز نفسها عن الأخرى. إنهما، تقولان: "لم نعملْ معا، عمْدا". وحالما حصلتا على الدبلوم، انخرطت دالي في في الماجستير في الإبداع الأدبي، وفي التدريس الذي"، كان تجريبيًا للغاية بالنسبة إليها، وفقا لها، "ولكنه ليس كافيًا" في جامعة لوهافر ، من أجل استكشاف الطريق إلى الشّعر الذي يسكنها منذ سنوات عدة. وتحمست للترجمة وهي التي تتقن أكثر من لغة.. وقد عرضت علينا يوم إلتقينا بها، بعض المجموعات الصغيرة المكتوبة باللغات الكورية والفرنسية والإنجليزية، والتي كانت تطبعها في منزلها وتنشرها على نفقتها مرة كلّ شهر مع شريكها ونوو كيم.

وفي عام 2020، اتجهت بيول إلى الدراسات النظرية عبر  التحاقها بجامعة باريس ضمن درجة الماجستير الصعبة للغاية في الفن المعاصر والعلوم الإنسانية. تقول: "لقد كانت تجربة مهمّة وأكاديمية، لكنني كنت ممزقة بين مشاريع معرضي وإقامتي". وكانت النتيجة، في وقت لاحق، رسالة من مئة صفحة، تخلت بعدها عن الدكتوراه لتعود فتستجيب إلى إثارة الممارسة الفنية. وفي عام 2022، رصدتهُما آن لور بوفارد القادمة من المعرض المهيب ناتالي أوباديا وعرضت عليهما أن تمثّلهما، وأن يطلقا معرضَهما الفني الخاصّ معها.

إن السيرة الذاتية لهاتين الفنانتين مثيرة للإعجاب، لأنهما أحبّتا التعلم، وبكل الطرق الممكنة، وطوّرتا لمستهما الفنّية منذ وقت مبكر جدًا. تقولان إنهما ترسمان وتلوّنان "كلّ الوقت"، أي منذ أن كانتا في الثانية أو الثالثة من عمرهما.

في سنّ الحادية والعشرين، وقد أرّقتها مسألة الزمن، أدركت دالي، من جانبها، أنها "في حاجة إلى الإبداع وفق عمليات أطول". فتوصلت إلى فكرة الرسم على الأقمشة المعدّة بغراء النشا، لتصنع أعمالاً نسيجية صغيرة تقوم بتجمعها وإعادة تجميعها ضمن تركيبات تغير مظهرها باستمرار (يد بيدٍ). تقول: "أمزج الأعمال الحديثة والقديمة، بحيث تكون هناك أزمنة مختلفة داخل نفس التركيب." وتصنع، أيضا، ورقها الخاص من أوراق الأشجار (أوراق ميّتة). إنّ أنماطها وزخارفها تتمثل في لحظات عابرة من الجمال، تلتقطها من اليومي والمبهج الغامض. إنه " الخفقان المجنون لأجنحة الأشياء الصغيرة"، كما تقول في إحدى قصائدها.

وكانت بيول مهتمّة أيضًا بالدعائم المنسوجة ولكن ليس لنفس الأسباب، لأنه إذا كانت دالي ركزت على الزمن وعلى الوعي به ، فإن بيول تتساءل عن وزن الأشياء وحركتها. تخبرنا في شيء من التحفظ أن والدتهما عانت من آلام الشلل (كتبت بيول، مثل  فريدا كاهلو نصّا في هذا الموضوع) ولا يمكنها الآن التحرك كما يطيب لها.

ولهذا السبب بدأت منذ بضع سنوات في تخفيف منحوتاتها، وتصميم مساعدات على المشي" ذات جودة )المشّاية) وصناعة مجسمات صغيرة بدلاً من تلك الكبيرة (مجموعة الحجارة). . وفي كثير من الأحيان، أثناء السفر، ترسم مناظر طبيعية خاطفة على ستائر من الروطان، والتي يمكنها لفها وتحريكها بسهولة (سلسلة بلاند). تقول: "أرغب في أن أكون قادرة على تقديم أعمالي للناس"، وبالتالي مخالفة عادة الاضطرار إلى القدوم إلى المتحف لمشاهدة الفن.

هذا الصيف، عملت الأختان في مكان الإقامة بكوسونغ بكوريا، في فضاء تعصف به الرياح بجوار البحر: دالي، مع حجارة ورقية تقليدية مغطاة بالقصائد وملابس من بلاستيك مطلية، كمواد خام استعارتها من الصيادين المحليين، وبيول، مع ستائر المناظر الطبيعية وتشكيلات مخيطة من ملابس جدتهما ومن الأوراق المجففة. تقول الأختان: "هي أعمال فنية بعضُها يسمح للريح بالنفاذ، والبعض الآخر يقاومها". 

وخلال معرض آخر، في كوريا أنجزتاه في بداية 2023 عملت الأختان على موضوع الراحة، حيث صممت بيول بالمناسبة أراجيح شبكيّة للجلوس والاستماع إلى شريط موسيقي من الهمسات صممه صديقها أوكتاف ماجيسكاس ولقراءة كتاب دالي (سلسلة أراجيح القراءة)

كلتاهما تحبّ أيضًا تنشيط أعمالها الفنية بكفاءة. تديم بيول على توظيف مرافقها للقراءة ، وتفكك دالي أعمالها لتصنع حلقات من صوف صغيرة تقدمها إلى الزوار.  إنّ ممارستهما الفنية متعددة التخصّصات، لا يمكن أن تكتفي بالمعارض، حتى تلك المشتركة.