المهرجانات ما بين الترف والفاقة

آراء 2024/02/18
...

 حسب الله يحيى 

المهرجانات.. كل المهرجانات؛ دليل رفاهية واستقرار ورخاء وسلام.. وحين تقام سلسلة مهرجانات متتالية في العراق، هذه الأيام وما قبلها؛ يعطي انطباعا على أن بلادنا تعيش حالة من الرفاهية والرخاء تعم كل قطاعات الشعب، بمعنى أنه لا يوجد فقراء يتسولون، ولا شبيبة تعاني من البطالة، ولا طفولة بلا رياض ولا مدارس، وبلد خال من الأمراض المزمنة، وأن العراق لا يستورد غذاءه ودواءه، من الخارج لأن كل شيء من صنع أياد عراقية،

 وأن العراق تتوفر فيه الطاقة الكهربائية والماء العذب، وأنه بلد نظيف اليد والقلب واللسان، وأن الفساد اَفة تم القضاء عليها إلى الأبد، وأننا في وضع أمني مستقر خال من الجريمة وخال من المخدرات..

وإننا من فرط السعادة والرخاء والأمن والسلام؛ تحولنا من بلد تسوده الفوضى ويعمه الفساد؛ إلى بلد يحتذى في رقيه وتطوره ونقاء سيرة كل مسؤول فيه.

المهرجانات.. تنشد المتعة والوعي والثقافة.. وأن شغيلة الابداع تعمل ليل نهار، لتقديم كل ما من شأنه راحة المواطن واسعاد أوقاته. فليكن.. هذا حقيقة، وليكن هذا سبيلا من سبل توفير العمل لهذه الشغيلة من الأدباء والفنانين والمبتكرين.. بوصفها الفئة المتقدمة والواعية في المجتمع.

هذا حسن.. وهذا ومطلوب.

ولكن هذا الحسن وهذا المطلوب؛ يبدو هجينا هذه الأيام وفي ظل عراق يعاني من أزمات حادة، عديدة وكثيرة وواسعه.. وما دام الحال كذلك.. هل يراد إيقاف هذه المهرجانات؟

السؤال وجيه ومنطقي ومعقول، اما جوابه، فهو بكل تأكيد: نعم، ولماذا نعم..؟

واليكم الجواب: في الحياة، كل صفحات الحياة، هناك مهم وهناك أهم.

ولنسأل: أيهما أهم أن نوفر رغيف خبز للجائع، أم نقدم له وردة أو نسمعه أغنية أو ندعوه لمشاهدة فيلم أو مسرحية أو قراءة قصيدة أو رواية؟ هل المهم أن نعلم الطفل كيف يرقص على خشبة المسرح أم نعلمه حروف الهجاء، ونجلسه على كرسي في مدرسة رسمية مجانية؟ هل نقدم للمريض صورا عن الجمال والمدن السعيدة والعقاقير المنشطة؛ أم نقدم له العلاج الشافي مجانا؟ هل يحسن ان نعرض صور المباني الشاهقة والعمارات الباذخة؛ ونهمل الناس الذين يعيشون في العراء والتجاوز والخيم ومدن (التنك)؟ هل..وهل.. وهل.. وهل؟

أمور كثيرة بها بحاجة إلى التأمل والى المعالجة والى الحلول.. الطبقة الغنية، الباذخة الغنى نتيجة الفساد المعلوم والمجهول؛ هي وحدها القادرة الآن على معالجة مرضاها وتوفير الدواء لها في الداخل والخارج، وهي وحدها القادرة على تعليم أبنائها في افضل المدارس والكليات.. طبقة (راقية) تأكل افضل الطعام وتنام على أنعم فراش، وتسهر الليالي في أغنى مكان، وتتزوج بأربع نساء جميلات وما ملكت يمينها كذلك، وتسكن في أفخم سكن.. 

لها ان تسافر على طائرات خاصة بها وقت تشاء، ولها الحق بشراء الطائرات والسفن والفلل والجزر في انحاء العالم. هذه الطبقة التي تنعم بكل شيء، من حقها أن تكمل رفاهيتها بالمهرجانات الباذخة والسهرات السعيدة والاناقة المترفة..

اما العامة والطبقة المسحوقة؛ فليس لها إلا أن ترضى بما قسمه الله لها.. ان تلتحف السماء بوصفها مرصعة بالنجوم وتعيش في العراء أو الخيم أو بيوت الطين، وتعاني من الجوع والبرد والمرض والأمية.. فهذا ما قسمه الله لها، ولا حق لأحد، تغيير هذه القسمة الضيزى أو الاعتراض على أمر الله!.

لها الحق ان تهاجر وتترك منازلها التي هي ارثها وجذرها لتستولي عليها فئة لها ناقة وجمل، وتموت تلك الأسر المهاجرة في البحار وتتيه في المدن البعيدة!.

هناك كلمة باذخة الجمال اسمها (العدالة)، وهناك كائن بشري يتوسل اللقمة من بين النفايات.. باحثا عن هذه اللقمة حتى لا تنافسه فيها الكلاب والقطط والجرذان! فهل من (العدالة) أن نجيد الرقص في مهرجانات السعادة، وندعو إلى موائدها الباذخة من كل مكان؛ ليقتات مما تبقى من فضلاتها عراقي جائع ومتسول ومريض وطفل تائه!.

نعم.. من حق الناس أن يكونوا سعداء ويقيموا المهرجانات وتغدق عليها الأموال؛ ولكن الأهم من ذلك ان نعيش في مجتمع لا يعاني أبناؤه من جملة آهات والكثير.. الكثير من الأزمات والمحن.. أليس كذلك؟.