فلسطين والمجتمع الدولي

آراء 2024/02/18
...







 رعد أطياف


اطلعت على برنامج كوميدي أمريكي الشهر الفائت عن طريق الفيديوهات المنتشرة في مواقع التواصل. يجيب المتحدث الرسمي للبيت الأبيض في مؤتمر صحفي بحزمة من المصطلحات الغامضة حول القضايا المصيرية التي تهدد السلم العالمي، وبالخصوص الإرهاب الصهيوني على غزة. 

كلّما يتعرّض لسؤال محرج يخرج أجندته ويتفحصها ملياً لاختيار المصطلع المناسب لذلك السؤال، ولابد أن يكون الجواب من الغموض لدرجة أن السائل لا يفهم شيئاً فيضطر للسكوت. 

الفيديو يلخص المشهد العالمي الذي يجري الآن: خطابات سياسية ومصطلحات رنانة مُعَدَّة للاستهلاك الإعلامي، وحزن مصطنع لإسقاط الواجب الأخلاقي الذي يثقل كاهل صنّاع السياسات العالمية. 

ما عليك سوى التفوّه بكلمات من قبيل» نشعر بالقلق إزاء الوضع الراهن»، أو» لدينا خشية من تفاقم الوضع في غزة»، أو»أن العملية العسكرية في رفح تعني المزيد من الضحايا المدنيين».. إلى آخر السلسلة من هذه البلاغة السياسية المتحجّرة، والتي أضحت إنشاءات محفوظة، بحيث يمكن لنا التنبؤ بها قبل أن يتفوّه بها سياسي متحذلق. 

الولايات المتحدة قلقة، وبريطانيا قلقة، والاتحاد الأوروبي قلق، وبايدن مستاء ويشعر بالامتعاض إزاء تصرفات نتنياهو الجامحة، ووزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن يفشل في تقريب وجهات النظر، ويعود خالي الوفاض من تل أبيب، وشروط الهدنة التي وضع بنودها قادة حماس تُقابل بالرفض، لدرجة أن الصهاينة يفسرون هذه البنود على أنها رفض من حماس غير مباشر لمفاوضات الهدنة، وبايدن مرة أخرى يفكّر بهدنة مستدامة، وقادة الاستخبارات المصريون، والقطريون والأمريكيون، والصهاينة، يتبادلون وجهات النظر في باريس، لكن أي شيء يحفظ دماء الأطفال، والشيوخ، والنساء لم يحصل. ما حصل هو عبارة عن قدر ضخم مملوء بعصيدة من المصطلحات الفارغة.

الاستياء، والزعل والانتقادات الحادّة من قادة البيض الأبيض لشخص نتنياهو، هي مجرد كلام ينتمي لهذه العصيدة. كلام لا يقدم ولا يؤخر، عبارات جوفاء متآكلة تم إعدادها خصيصاً لمواجهة خصوم بايدن الشرسين وجمهوره الغاضب، إزاء ما يحصل من إرهاب ممنهج تجاه المدنيين الفلسطينين. مصطلحات نبيلة يتم التلاعب بها لأغراض دنيئة لا أخلاقية تتاجر بمئات  الأرواح. 

الصهاينة أكثر وضوحاً ومباشرة من أصدقائهم الأمريكان، على الأقل هم ليسوا بحاجة لهذا البازار الكبير للمصطلحات الرنانة، هم يقولونها دون مواربة، سنقتل قدر ما نستطيع، ونهدم قدر ما نستطيع، ولا إيقاف لهذه الحرب حتى القضاء على حماس. وعل الرغم من التحليلات الاستخبارية للسي آي إيه، والتي خلصت إلى نتيجة مفادها  بأنه من المستحيل القضاء على حماس، وهذا يعني أن العبارات الإسرائيلية تعني المزيد من قتل المدنيين تحت يافطة القضاء على حماس. المهم في الأمر أن الصهاينة أكثر مباشرة ووضوحاً من داعميهم.

 ومن التصريحات الباهتة والمملة، التي اعتدنا على حفظها وكذلك التنبؤ بها أسوة بمثيلاتها، هي عبارة الدولة الفلسطينية. كلما اشتد الوطيس هرع قادة البيت الأبيض إلى صندوقهم السحري ليخرجوا لنا فكرة حل الدولتين. وهذه المرة يبدو أنهم جادون للمضي قدماً في إطالة أمد هذه العبارةالمخدرة. لكن على الأمريكان أن يقنعونا أولاً كيف يمكنهم الضغط على الصهاينة وثني إرادتهم الماضية في رفض هذا المشروع. بالتأكيد الأمريكان قادرون على الضغط على حلفائهم، لكن السؤال، هل لديهم رغبات حقيقية وصادقة في ذلك؟ هذا هو السؤال الجوهري.

الواقع الفعلي، وليس البلاغات السياسية، يقول، لا يقبل الأمريكان وحلفاؤهم الصهاينة حتى لو كان هامشاً بسيطاً يسمى «دولة» يلم شتات الفلسطينيين. قالها وزير المالية الإسرائيلي (بتسلئيل سموتريتش)، نقلاً عن الجزيرة: «هناك إجماع واسع في اسرائيل على رفض الدولة الفلسطينية وتقسيم الاراضي. على أصدقاء إسرائيل أن يفهموا أن الدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية هو دفع نحو المذبحة المقبلة وخطر وجودي على إسرائيل». سنصدّق كل هذه العبارات الطنّانة إن استطاع هذا المجتمع الدولي إدانة هذه المجزرة، وإصدار القرارات الرادعة لهذا الفعل الإرهابي، مثلما فعلوها مع العراق وحولوه إلى أثر بعد عين، وعند ذاك نصدق عدالة هذا العالم المزعومة