مدرب للمنتخب.. بثلاث ورقات

الرياضة 2024/02/19
...

علي رياح

كيف ارتضى الإسكتلندي داني ماكلنن المدرب الذي اقترن اسمه بمنتخبنا أواسط العقد السبعيني أن يمضي عقداً مع الاتحاد العراقي لكرة القدم يتقاضى بموجبه ثلاثمئة دولار أميركي لا غيرها راتباً شهرياً بجانب السكن والتنقل بسيارة بيجو طراز 404 مع سائقها؟.
في سباق البَذخ المجنون في الأموال الطائلة التي تُصرف اليوم على المدربين في عالم الاحتراف الكروي، يبدو المبلغ الذي ارتضاه ماكلنن لا يُصدَّق، ولكن هذه هي الحقيقة التي لها امتدادات تعود إلى شهر أيلول من عام 1974 خلال الدورة الآسيوية في طهران، حين جمع موقف غاية في الغرابة ماكلنن الذي كان يُدرّب منتخب البحرين بمدربَي منتخبنا الراحليَن ثامر محسن وواثق ناجي، إذ جاء المدرب الإسكتلندي إلى غرفة ناجي مُقدّماً نفسه على أنه مدرب البحرين ويُطالب بإعادة الأحذية التي أهداها اللاعبون البحرينيون إلى أصدقائهم العراقيين على سبيل تمتين العلاقة، وكان ماكلنن مُصرّاً على استعادتها وهو ما قام به الوفد العراقي بعد أن اعترف بعض لاعبينا بقبول الهدية، وقد أوضح محسن وناجي أن الأمر تمّ من دون معرفتهما.
ذلك الموقف كان البداية التي نُسِجتْ على إثرها أول خيوط ارتباط ماكلنن بمنتخبنا بعد ذلك، وفي شباط من العام التالي كان منتخبنا العسكري يخوض في الكويت تصفيات بطولة العالم العسكرية ويتلقّى خسارة ثلاثية مريرة أمام مضيفه الكويتي لم تكن في حسبان أشدّ المتشائمين. ويومها كان صوت المُعلّق خالد الحربان يتهادى عبر المذياع مُردّداً: (الجيش الكويتي هزمَ الجيش العراقي) وكانت الخسارة ثم هذه (الجملة) سبباً في إطاحة المدرب عبد القادر زينل من قِبل رأس القيادة في الدولة.
وكان الخيار الأسرع لاحتواء غضب (القيادة) بالنسبة لاتحاد الكرة العراقي الذي كان أشبه بمجلس حرب إذ كان مؤلّفاً من ضباط كبار، أن يستدعي مدرب المنتخب الوطني واثق ناجي ويصارحه بقرار التعاقد مع مدرب أجنبي في تصفيات دورة مونتريال الأولمبية في إيران على أن يكون الفوز على الكويت أولوية قصوى بالنسبة للمدرب الجديد تحاشياً لغضبة أخرى من كبار المسؤولين، وهذا ما حصل حين التقى واثق ناجي مع ماكلنن في فندق شاطئ المسيلة في الكويت خلال بطولة شباب آسيا وفاتحه بالفكرة من حيث المبدأ على أن يتواصل معه لاحقاً. وبعد ثلاثة أشهر (تموز 1975) تمّ التعاقد مع ماكلنن أي قبل مدة وجيزة من السفر إلى طهران للمشاركة في التصفيات الأولمبية، ويُشير الراحل واثق ناجي إلى أنه كتب بنفسه نصّ العقد وقدّمه إلى الاتحاد وماكلنن معاً.
اللافت أنه جرى استدعاء اللاعبين للوحدة التدريبية الأولى لماكلنن على ملعب الإدارة المحلية في المنصور في الثاني عشر من تموز 1975، من دون الإشارة إلى اسمه في الخبر الذي نشرته الصحف، بينما كان الرأي لدى الضباط الكبار المسؤولين في الاتحاد أن يكون واثق ناجي موجوداً مع ماكلنن بصفة مؤقتة وحتى انتهاء المباراة الأولى مع الكويت حيث يكون برفقته ثم يتولّى ماكلنن وحده إكمال المهمة وهذا ما حصل بالضبط، إذ تمكن المنتخب العراقي من الفوز بالمباراة ليكون بعدها ماكلنن مدرباً مسؤولاً مباشراً عن المنتخب خلال الفترة الممتدة حتى انتهاء دورة الخليج العربي الرابعة في قطر 1976 عندما أُقيل على خلفية الخسارة الرباعية أمام الكويت.
في حديث خاص لي مع الراحل ثامر محسن الذي كان مدرباً وعضواً وأميناً للسر في اتحاد الكرة العراقي لأكثر من دورة، أيّدَ الرواية التي تحدثت عن (الثلاث ورقات) كمرتّب شهري لماكلنن، مع الإشارة إلى أن الأخير تقاضى مبالغ أخرى خارج العقد الرسمي، وكان واضحاً أن قبوله بأدنى الشروط للعمل مع الاتحاد العراقي تعبير عن إعجابه الشديد بعدد كبير من لاعبينا.